للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إثبات اصطفاء الله عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم]

وقول المؤلف رحمه الله: (المصطفى) هذا فيه بيان ما خص الله عز وجل به رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم من الاصطفاء، فإن الله اصطفى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم، والاصطفاء: هو الاختيار، والاصطفاء: افتعال من الاختيار، وأصله اصتفى، لكن الصاد إذا جاءت بعده التاء فإنها تنقلب إلى طاء، وهذا مطرد، فحيثما جاء الصاد وجاءت بعده التاء فإن التاء تنقلب طاءً للمناسبة بينهما، فإن الصاد والطاء من حروف الاستعلاء، بخلاف التاء، فالاصطناع أصلها اصتنع، والاصطلام أصلها: اصتلم، وهلم جراً.

والمراد: أن الاصطفاء معناه: الاختيار، والاختيار حق لله جل وعلا دون غيره، كما قال الله سبحانه وتعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص:٦٨] فذكر الله جل وعلا فعلين من أفعاله: - الخلق، وهذا لا منازع له فيه.

- والاختيار، وهذا الذي وقعت فيه المنازعة من المشركين لرب العالمين.

فقال الله جل وعلا: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص:٦٨] والوقف على هذا تتم به الجملة، ثم قال: {مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ} [القصص:٦٨] فنفى الخيرة عن غيره ممن نازعه جل وعلا الاختيار فقال جل وعلا: {مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [القصص:٦٨] فنزه نفسه عن الشركة في الاختيار؛ وذلك لأن الاختيار حق الله جل وعلا، فالله يخلق ما يشاء، ويختار من خلقه ما يشاء.

ولذلك اصطفى الله جل وعلا من خلقه ما شاء الله أن يختار، سواء كان زماناً أو مكاناً أو شخصاً، فاختار الله من الأزمان على سبيل المثال الجمعة، واختار شهر رمضان، واختار أشهر الحج، واختار الأشهر الحرم.

واختار الله من الأماكن مكة، فاصطفاها وخصها بما خصها به من الأحكام.

وأما الأشخاص فاختار الله عز وجل من خلقه الرسل والأنبياء، وخصهم بخصائص دون غيرهم، قال سبحانه: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} [الحج:٧٥] ، فالاصطفاء واقع من الملائكة ومن الناس يصطفي الله جل وعلا منهم من يرسلهم.

فالله عز وجل اصطفى رسوله صلى الله عليه وسلم وخصه بخصائص كثيرة، وسيأتي ذكر بعض هذه الخصائص في كلام المؤلف رحمه الله، لكن هل هذا الوصف أخص أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم؟

الجواب

لا.

ومن هذا نعلم أن الذين لا يذكرون النبي صلى الله عليه وسلم إلا بقولهم: المصطفى، أو قال المصطفى، أو فعل المصطفى، يقصرون في حق النبي صلى الله عليه وسلم عن رتبته التي أنزله الله إياها؛ لأن الاصطفاء ليس خاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم، بل هو له ولكثير من خلقه كما في قوله تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} [الحج:٧٥] فالمصطفون من خلق الله كثر، لكن النبي صلى لله عليه وسلم له الغاية من الاصطفاء، وله أوفر حظ ونصيب من اصطفاء رب العالمين جل وعلا.

والذي اختص به ورضيه صلى الله عليه وسلم هو أن يكون عبد الله ورسوله، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله) فهذا أفضل ما يوصف به النبي صلى الله عليه وسلم، ولو أن المؤلف رحمه الله ذكر هذا في مقدم أوصاف النبي صلى عليه وسلم لكان أوفق.

قال: (وأن محمداً عبده المصطفى) فالله اصطفاه من بين الخلق، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله اصطفى كنانة من بني إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى بني هاشم من قريش، واصطفاني من بني هاشم) فهذا اصطفاء وراء اصطفاء فهو خيار من خيار صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>