[قضاء الله عز وجل الكوني نافذ لا يرد]
ثم قال رحمه الله: (لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولا غالب لأمره) جل وعلا، فقوله: (لا راد لقضائه) أي: لا أحد يقوم برد قضاء الله جل وعلا، بل كما قال عن نفسه: {إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [البقرة:١١٧] ، فأمر الله جل وعلا وقضاؤه ماضٍ لا راد له.
والمراد بالقضاء هنا: القضاء الكوني الخلقي القدري، وأما القضاء الشرعي فإنه يُرد؛ لأنه ليس لازم الوقوع، فقوله: (لا راد لقضائه) أي: أنه لا يُرد ما قضاه سبحانه وتعالى وقدره، فإذا قضى الله جل وعلا بالموت على أحد فلا يمكن لأحد أن يرده، وإذا قضى لأحد بالنجاح فلا يمكن لأحد أن يرده، وإذا قضى بالسعادة لأحد فلا يمكن أن يرده أحد، (لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع) ، بل قضاؤه جل وعلا ماضٍ.
والقضاء هنا المراد به: القضاء الكوني، وأما القضاء الشرعي فيرد، ولذلك رد أهل الشرك قضاء الله عز وجل في عبادته، فإن الله سبحانه وتعالى قال: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء:٢٣] ، فردوا هذا القضاء وعبدوا غير الله، فقول المؤلف: (لا راد لقضائه) أي: لا راد لقضائه الكوني القدري الخلقي.
قال رحمه الله: (ولا معقب لحكمه) أي: لا مؤخر لحكمه، فإذا قضى الله جل وعلا أمراً فإنه لا يؤخر، كما قال سبحانه وتعالى: {لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:٣٤] ، فإذا قضى الله أجلاً معيناً في وقت معين فإنه لا يتأخر ولا يتقدم.
وهذا من معاني قوله: (لا معقب لحكمه) وقد وصف الله جل وعلا نفسه بذلك في قوله: {لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [الرعد:٤١] فإنه لا معقب لحكم الله جل وعلا.
وكذلك من معاني قوله: (لا معقب لحكمه) أي: لا متتبع لحكمه، بل حكمه نافذ لا يتتبعه أحد ولا ينظر فيه ويتأمل، ولا يرد البعض ويقبل البعض، بل حكمه جل وعلا الكوني نافذ ولا معقب له ولا راد له ولا متتبع له، بل هو جل وعلا الحكيم الخبير الذي إذا حكم وقضى فإنه لا يُرد قضاؤه ولا يُعقب حكمه سبحانه وتعالى.
ثم قال: (ولا غالب لأمره) بل الله جل وعلا غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون، وقال تعالى: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق:٣] فالله جل وعلا يسوق المقادير إلى المقدورات أي: إلى مواضع القدر، فهو سبحانه وتعالى يسوق عباده إلى ما قضاه وقدره، وكل ميسر لما خلق له.
قال رحمه الله: (لا معقب لحكمه، ولا غالب لأمره) سبحانه وتعالى، والحكم والقضاء والأمر هنا هو كله في القضاء والحكم والأمر الكوني.
وكذلك يمكن أن يقال: لا معقب لحكمه الشرعي من حيث أنه لا يبدل ولا يغير، ولكن من حيث الفعل فإنه قد يُرد وقد يعقب عليه وينتقد، لكن هذا لا يضر حكم الله جل وعلا بشيء.
والظاهر أن الجميع؛ القضاء، والحكم، والأمر، في هذه العبارات كلها تدور على معنى القضاء والحكم والأمر الكوني.
ثم قال رحمه الله: (لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولا غالب لأمره، آمنا بذلك كله، وأيقنا أن كلاً من عنده) أي: آمنا بما تقدم مما تقرر في هذه العقيدة.
وقوله: (آمنا بذلك كله، وأيقنا أن كلاً من عنده) أي: ما قضاه الله جل وعلا وقدره وشاءه فذلك كله بتقديره، فسعادة السعيد بتقديره، وشقاء الشقي بتقديره.
والمؤلف رحمه الله ختم هذا المقطع بهذه العبارة؛ لأنه سينتقل إلى تقرير عقد أو أصل جديد من أصول الاعتقاد وأصول الإيمان، فناسب أن يختم ما تقدم بهذه العبارة تأكيداً وتقريراً لما تضمنه قوله رحمه الله: (نقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله: إن الله واحد لا شريك له.
إلخ) .
فيقول: (آمنا بذلك) يعني: بكل ما ذكرنا أننا نعتقده، (وأيقنا أن كلاً من عنده) أي: أن اعتقادنا ذلك إنما هو امتثال لله عز وجل وامتثال لما جاء في كتابه وما جاء في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.