(قال العلامة حجة الإسلام أبو جعفر الوراق الطحاوي بمصر) .
وهو من علماء القرن الثالث والرابع الهجري، توفي رحمه الله في سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، وله مؤلفات مشهورة نافعة في الحديث والفقه، وهو على مذهب الإمام أبي حنيفة، وإن كان في الأصل شافعياً إلا أنه انتقل إلى مذهب الإمام أبي حنيفة، وسار عليه وإن لم يكن متمذهباً به بالمعنى الضيق؛ لأنه له اجتهادات خالف فيها الحنفية، وإنما ارتضى سبيلهم وطريقهم في التفقه في الدين.
يقول رحمه الله:(هذا ذكر بيان عقيدة أهل السنة والجماعة) المشار إليه ما سيأتي تفصيله في هذه العقيدة.
فقوله رحمه الله:(ذكر بيان) .
المقصود توضيح وتجلية عقيدة أهل السنة والجماعة.
والعقيدة: هي ما طوى الإنسان قلبه عليه، وأصلها من العقد والشد؛ لأن الإنسان يعقد على ما يعتقد ويربط قلبه عليه، فالعقيدة هي ما طوى الإنسان قلبه عليه مما يتعلق بالله عز وجل، وما يتعلق بأصول الإيمان، وهذا الذي يبينه الشيخ رحمه الله في هذه العقيدة.
وقوله رحمه الله:(أهل السنة والجماعة) .
ليخرج غيرهم، فـ (أهل السنة) أخرج به أهل البدعة، و (أهل الجماعة) أخرج به أهل الفرقة، وهذان الوصفان متلازمان؛ لأنه لا يمكن أن يكون الإنسان من أهل السنة إلا إذا كان من أهل الجماعة، ولا يمكن أن يكون من أهل الجماعة إلا أن يكون من أهل السنة فهما وصفان متلازمان، وإنما نصوا عليهما مع أن أحد الوصفين يغني عن الآخر؛ لأن هذين الوصفين يميزان أهل السنة عن غيرهم، فهما أبرز أوصاف أهل السنة والجماعة، وأبرز صفات هذه الفرقة، فهم بالسنة مستمسكون، وإليها راجعون، وعنها صادرون، لا يعدلون بها شيئاً، ولا يقدمون عليها شيئاً، بل هي الحاسم على أقوالهم وعقائدهم وأعمالهم وآرائهم، فما جاءت به السنة أخذوا به، وما ردته السنة ردوه، وما خالف السنة ابتعدوا عنه؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) .
وأما الجماعة فهم أهل اجتماع ليسوا أهل فرقة، وهذا وصف لابد لأهل السنة أن يعتنوا به، فإن الله جل وعلا في كتابه ذم الافتراق والاختلاف، وحث على الائتلاف والاجتماع، ونصوص ذلك كثيرة، بل هو من الشرع السابق الذي سار عليه النبيون:{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}[الشورى:١٣] .
(أن أقيموا الدين) إقامته بالقيام به عقداً وعملاً، (ولا تتفرقوا فيه) أي: ولا يكن شأنكم فيه شأن المتفرقين، وهذا بيان أن الائتلاف والاجتماع هو دين النبيين وليس خاصاً بهذه الأمة؛ ولذلك كانوا أهل اجتماع وليسوا أهل افتراق، واجتماعهم ليس على هوى، إنما اجتماعهم على الكتاب والسنة، وعلى إقامة الدين الذي جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.