يقول:(ونؤمن بملك الموت الموكل بقبض أرواح العالمين) أيضاً هذا ذكر لجنس من الملائكة، وذكرهم بعملهم، ولم يصح في اسم الملك الموكل بالموت حديث، وما روي من أنه عزرائيل فهو من الأحاديث الضعيفة والإسرائيليات، وليس في ذلك ما يستند إليه، ويعتمد عليه، وملك الموت ذكره الله جل وعلا في قوله:{قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ}[السجدة:١١] ، وقال سبحانه وتعالى في توفي الملائكة:{إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ}[الأنعام:٦١] فأضاف التوفي إلى رسل.
ومن هنا قال جماعة من العلماء: إن ملك الموت ليس واحداً بل هو متعدد؛ لأن الله جل وعلا ذكر توفي الرسل:{وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ}[الأنفال:٥٠] فجعل التوفي لمجموع وليس لواحد، فذهب بعض العلماء إلى أن ملك الموت ليس واحداً، بل هم عدد كما دلت عليه الآيات التي فيها أن التوفي يكون من جماعة.
وقال جماعة من العلماء: إن ملك الموت واحد، وله أعوان، وكلا القولين محتمل، وفي حديث البراء بن عازب ما يشهد أو ما يشير إلى أنه واحد له أعوان؛ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر الاحتضار -احتضار الإنسان- ذكر أن الملائكة ينزلون ويجلسون منه مد البصر، هذا في حال الاحتضار، (ثم يأتي ملك الموت، فينزع روحه، فتأخذها الملائكة ولا تدعها في يد ملك الموت طرفة عين) فدل هذا على أن الذي يباشر النزع هو ملك الموت وحده.
وقال آخرون: بل هم متعددون، ويدل لذلك قول الله جل وعلا:{وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا}[النازعات:١-٢] فالنازعات: هم جماعات الملائكة الذين ينزعون أرواح بني آدم، ونزع الروح على حالين: إما نزع بشدة كحال أهل الفسق والكفر والشرك والمعصية، أو بيسر كقوله تعالى:{وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا} ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(فتخرج روحه كخروج القطرة من في السقاء) في وصف خروج روح المؤمن.
بخلاف روح المنافق فإن روحه تتفرق في بدنه وتنزع من كل عضو، كما ينزع السفود من الصوف المبلول، وفي إخراجه عناء ومشقة.
المراد أن ملك الموت اختلف فيه العلماء على قولين: القول الأول: أنه واحد له أعوان.
والقول الثاني: أن ملك الموت متعدد وليس واحداً، وكلا القولين له ما يشهد له، وعلى كل حال فالتحقيق هل هو واحد أو متعدد؟! يحتاج إلى تأمل وطول نظر، لكن ما تبين لي شيء في هذا.