للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إحاطة الله سبحانه وتعالى بخلقه]

قال رحمه الله: (محيط بكل شيء وفوقه) هذا بيان أن الله سبحانه وتعالى محيط بكل شيء؛ لعظمته وسعته وكبره سبحانه وتعالى، فهو الكبير المتعال، وهو الذي أحاط بكل شيء، كما قال سبحانه وتعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق:١٢] فأحاط بخلقه علماً, وأحاط بخلقه قدرة سبحانه وتعالى، فهو الأول والآخر، والظاهر والباطن، الأول: الذي ليس قبله شيء، والآخر: الذي ليس بعده شيء، والظاهر: الذي ليس فوقه شيء، والباطن: الذي ليس دونه شيء، وبهذا ثبت له جل وعلا الإحاطة الزمانية، والإحاطة المكانية سبحانه وبحمده.

فالله جل وعلا محيط بكل شيء، وفوقه، أي: وهو عليه مستعلٍ على كل شيء سبحانه وتعالى، ولا شك أنه هو العلي العظيم سبحانه وبحمده؛ ولذلك ختمت أعظم آية في كتاب الله بهذين الوصفين: بإثبات صفة العلو والعظمة، فعلو الله ثابت على كل شيء، وفوقية الله سبحانه وتعالى ثابتة على كل شيء، والعلو الثابت له سبحانه وتعالى هو: علو الذات، وعلو القدر، وعلو القهر.

كل هذه المعاني الثلاثة ثابتة للرب جل وعلا، وأهل التحريف والانحراف لم يثبتوا علو الذات، بل قالوا في كل ما جاء في الكتاب والسنة من إثبات العلو لله عز وجل: إنه علو القدْر، أو علو القهر، وهذا ثابت للرب جل وعلا، ولكن لا نعطل المعنى الثالث، وهو صفة كمال للرب سبحانه وتعالى.

قال رحمه الله: (وقد أعجز عن الإحاطة خلقه) أعجز عن الإحاطة خلقه، فخلقه مهما بلغ قدرهم وقدراتهم لا يتمكنون من الإحاطة بالرب جل وعلا، لا الملائكة ولا غيرهم، كلهم لا يتمكنون من الإحاطة به سبحانه وبحمده، فهو الكبير المتعال، وهو المحيط بكل شيء، قال الله جل وعلا: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} [البقرة:٢٥٥] .

وهذا فيه شيء مما اتصف به وهو العلم، لا يتمكنون من الإحاطة بشيء من ذلك، وقال جل وعلا: {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه:١١٠] أي: لا يتمكنون من الإحاطة بعلمه سبحانه وتعالى، فنفى الله عز وجل الإحاطة بشيء من صفاته، والإحاطة به جل وعلا، وأيضاً: نفى الإحاطة الحسية، وذلك بإدراك البصر فقال سبحانه وتعالى: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام:١٠٣] لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار سبحانه وبحمده، فنفى الله جل وعلا أن تدركه الأبصار؛ وذلك لعظمه وكماله، فخلقه لا يتمكنون من الإحاطة به.

وعلى هذا يحمل ما جاء في الأثر عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في تفسير الآية قال رضي الله عنه: (لو أن الخلق كلهم -الملائكة، والإنس، والجن، والشياطين- صفوا صفاً واحداً منذ خلقهم الله عز وجل إلى آخرهم ما أحاطوا بالله جل وعلا) مع تعددهم، واختلاف قدراتهم، وكثرتهم؛ لا يحيطون بالرب جل وعلا، وقد ورد هذا الأثر مرفوعاً إلا أنه لا يصح مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

والمراد: أن الخلق عاجزون عن أن يحيطوا بالرب سبحانه وتعالى، وإذا كان كذلك فالواجب عليهم أن يقدروا الله جل وعلا عن توهم الإحاطة به، أو العلم بحقائق ما أخبر به عن نفسه سبحانه وتعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>