اعلم أن الله سبحانه وتعالى استدل على علمه لخلقه بثلاث صفات من صفاته، قال سبحانه وتعالى:{أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[الملك:١٤] ، فأثبت الله جل وعلا علمه بخلقه، فـ (من) هنا فيها وجهان: - فإما أن تكون في محل رفع فاعل.
- وإما أن تكون في محل نصب مفعول به.
المعنى الأول: ألا يعلم الذي خلق، يعني: كيف لا يعلم الذي خلق؟ فجعل من لوازم إثبات صفة الخلق، وأنه خالق؛ أنه عالم بكل شيء، وهذا المعنى صحيح ولا إشكال فيه.
المعنى الثاني:{أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ}[الملك:١٤] يعني: ألا يعلم مخلوقه، ولا إشكال في أن الله سبحانه وتعالى عالم بمخلوقه.
فعلى المعنى الأول وأن (من) مرفوعة في محل رفع فاعل؛ يكون من دلائل علمه سبحانه وتعالى وشواهد علمه بخلقه أنه خلقهم سبحانه وتعالى {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ}[الملك:١٤] يعني: كيف لا يعلم بخلقه وهو الخالق لهم؟ فاستدل على علمه بخلقه بهذه الصفة، وهي أنه خالق جل وعلا.
واللطيف: هو من يدرك ما دق من الأشياء، والخبير: هو من يدرك ما خفي من الأشياء، فإذا كان يدرك الدقيق ويدرك الخفي فكيف لا يعلم بخلقه، فهو سبحانه وتعالى اللطيف الخبير العالم بما دق وبما خفي، فإذا كان يعلم الدقيق والخفي؛ فهو جل وعلا عالم بخلقه لا إله غيره، هو بكل شيء عليم سبحانه وتعالى وبحمده.
إذاً: قوله: (خلق الخلق بعلمه) يدل على إثبات علم الله المتقدم على خلق كل مخلوق ولا إشكال في ذلك، فإن الله سبحانه وتعالى بكل شيء عليم، وهو جل وعلا عالم بكل شيء قبل خلقه، وسيأتي مزيد تقرير لهذا في كلام المؤلف رحمه الله في مسألة القدر، والمؤلف رحمه الله وغفر له فرق ما يتعلق بمبحث القدر، ولم يجمعه في موضوع واحد، بل أعاد وأبدع ورد وكرر في هذه المسألة؛ ولعل ذلك لأهميتها وشدة الحاجة إليها في وقته رحمه الله.