للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[قضاء الله عز وجل وقدره في خلقه]

بسم الله الرحمن الرحيم قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكلهم يتقلبون في مشيئته بين فضله وعدله.

وهو متعالٍ عن الأضداد والأنداد.

لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولا غالب لأمره.

آمنا بذلك كله، وأيقنا أن كلاً من عنده.

وأن محمداً عبده المصطفى، ونبيه المجتبى، ورسوله المرتضى، وأنه خاتم الأنبياء، وإمام الأتقياء، وسيد المرسلين، وحبيب رب العالمين، وكل دعوى النبوة بعده فغي وهوى، وهو المبعوث إلى عامة الجن وكافة الورى بالحق والهدى، وبالنور والضياء] الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد: فصلة ما تقدم من كلام المؤلف رحمه الله في مسائل القدر قال رحمه الله: (وكلهم) أي: كل عباده وخلقه (يتقلبون في مشيئته بين فضله وعدله) ، فالله جل وعلا لا يظلم الناس شيئاً، بل الخلق لا يخرجون عن فضل الله جل وعلا، فإن قصروا عن الفضل فلا يخرجون عن العدل، قال الله جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا} [يونس:٤٤] فالله سبحانه وتعالى لا يظلم الناس شيئاً، فمن هداه فبفضله، ومن وقع في الضلال فإنما يضل على نفسه، كما قال الله جل وعلا: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف:٥] والله جل وعلا أعلم بالمهتدين، وهو سبحانه وتعالى يعلم محال الفضل ومحال المن ومواضعه.

فلذلك لا يعترض على الله جل وعلا في هداية فلان وفي إضلال فلان، فهذا مما ينبغي أن يقر في قلب المؤمن، فإن الله جل وعلا حكم عدل، ليس في حكمه الكوني ولا في حكمه الشرعي نقص ولا ظلم، بل الظلم منتفٍ عن الرب، وهو مما حرمه الله جل وعلا على نفسه فقال: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا} [يونس:٤٤] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الإلهي: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً) فنفي الظلم عن الله يدل على أنه سبحانه وتعالى العدل الذي لا ظلم في شيء من أحكامه، وقد اعترض على ذلك بعض من بُلي في مسائل القدر، فلقي أحد العلماء فقال له: أرأيت إن منعني الهدى ثم أمرني به أيكون قد ظلمني؟ فقال له العالم الرباني العالم بربه جل وعلا: إن كان قد منعك شيئاً هو لك فقد ظلمك، والله جل وعلا لا يظلم الناس شيئاً، بل الله جل وعلا لا ينفك عباده مسلمهم وكافرهم من خيره وفضله.

فلا أحد أصبر على أذىً من الله سبحانه وتعالى، فإنهم يشتمونه ويسبونه وينسبون إليه الولد وهو جل وعلا يعافيهم ويرزقهم ويمدهم سبحانه وتعالى بما تقوم به حياتهم ويصلح به معاشهم، فكل العباد المسلم والكافر يتقلبون في مشيئته، يعني: فيما يقدره ويقضيه بفضله وعدله، سبحانه وتعالى.

ثم قال المؤلف رحمه الله: (وهو متعالٍ عن الأضداد والأنداد) .

الأضداد: جمع ضد، والضد: هو المناوئ المعارض المقابل، والله جل وعلا لا ضد له، فإنه لا يقوم شيء لإرادته ولا يقوم شيء أمامه سبحانه وتعالى، بل هو القوي العزيز الذي لا راد لقضائه جل وعلا.

وقول المؤلف رحمه الله: (متعالٍ عن الأضداد) يرد بذلك على المعتزلة الذين يقولون: إن العبد يخلق فعل نفسه، وإن العبد يشاء ما لا يشاؤه الله، وإن العبد يخرج بأفعاله عن أقدار الرب جل وعلا، فهذا فيه الرد على هؤلاء.

وهذه الكلمة: (متعالٍ عن الأضداد) يستعملها أهل العلم رحمهم الله في كلامهم، فقد ذكرها ابن القيم رحمه الله في افتتاح كتاب (إغاثة اللهفان) ومعناها كما ذكرنا: أنه لا أحد يقوم في مضادة الرب جل وعلا، فهو سبحانه وتعالى لا يقوم له شيء.

وأما قوله: (والأنداد) فالأنداد: جمع ند، والند هو: المثيل والمكافئ والنظير، ويطلق أيضاً على المناوئ، لكن المراد به هنا: المثيل والنظير، فنزه المؤلف رحمه الله الرب جل وعلا عمن يعارضه ويضاده ويخالف أمره، ونزهه سبحانه وتعالى عن أن يكون له ند ونظير ومثيل، كما قال الله سبحانه وتعالى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا} [البقرة:٢٢] ، وكما قال سبحانه وتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١] ، فهذا أمر واضح وقد تقدم تقريره.

<<  <  ج: ص:  >  >>