للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[القرآن كلام الله مخلوق، والرد على القائلين بخلقه]

قال المؤلف رحمه الله: (ونشهد أنه كلام رب العالمين) أي: لا نجادل مجادلة أهل الباطل بنفي أن يكون القرآن كلام الله جل وعلا، بل نثبت بأن القرآن كلام الله سبحانه وتعالى، منه بدأ وإليه يعود كما قال أهل السنة والجماعة، فنشهد أنه كلام رب العالمين، والقرآن كلام رب العالمين لا إشكال في هذا، قال الله جل وعلا في وصف كلامه للقرآن: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:٦] .

فوصف القرآن بأنه كلامه سبحانه وتعالى، ومعلوم أن الكلام صفة لا تقوم إلا بموصوف، فلا يمكن أن يكون مخلوقاً كما زعمته الجهمية، والإقرار بأن القرآن كلام رب العالمين من حيث اللفظ يوافق فيه المعتزلة ويوافق فيه الأشاعرة ومثبتة الصفات، لكنهم يختلفون في تفسير هذه الإضافة، فالمعتزلة يقولون: الإضافة إضافة خلق، فمعنى كلام الله أي: كلامه المخلوق كقول صالح: {نَاقَةُ اللَّهِ} [الأعراف:٧٣] فأضاف الناقة إلى الله والإضافة هنا إضافة خلق للتشريف.

ومعلوم أن القرآن ليس كالناقة؛ لأن الناقة مخلوق مستقل، أما الكلام فلابد أن يقوم بشيء، وهذا الشيء ليس عيناً قائماً بذاته، فقولهم باطل، فهم يقولون: القرآن كلام الله، ولكنهم لا يوافقون أهل السنة والجماعة في أنه صفة من صفات الله عز وجل، بل هم يقولون: هو كلام الله، لكنه مخلوق.

وأما الأشاعرة والماتريدية والكلَّابية فإنهم يقولون: القرآن كلام الله، لكنهم يقولون: كلام نفساني يعني: معنى بغير حرف ولا صوت، وأهل السنة والجماعة يقولون: هو كلامه جل وعلا بحرف وصوت تكلم به على الوجه اللائق به سبحانه وتعالى بلا كيف ومعنى بلا كيف أي: لا نكيف، من غير تكييف ولا تمثيل، ومن غير تحريف ولا تعطيل.

ثم قال رحمه الله: (نزل به الروح الأمين) هذا بيان أن القرآن كلام الله، وأن الروح الأمين جبريل عليه السلام تلقاه كلاماً من رب العالمين، ولم ينقله من اللوح المحفوظ كما زعمه من زعمه من المبطلين، فإن جبريل عليه السلام تلقى القرآن من الله جل وعلا، ولا يعارض هذا أن القرآن في اللوح المحفوظ، فإن أهل السنة والجماعة مجمعون على أن القرآن في اللوح المحفوظ كما قال سبحانه وتعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج:٢١-٢٢] فالقرآن في اللوح المحفوظ الذي كتب الله به كل شيء، لكن تكلم به سبحانه وتعالى وقت نزوله.

قال رحمه الله: (نزل به الروح الأمين) وهذا مما يثبت أنه من الله جل وعلا، والروح الأمين هو: جبريل كما قال سبحانه وتعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} [النحل:١٠٢] ، وكما قال سبحانه وتعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ} [الشعراء:١٩٣-١٩٤] فلا ريب أن القرآن نزل به جبريل عليه السلام، وقد تلقاه من رب العالمين كلاماً سمعه فنقله.

يقول: (فعلَّمه) الضمير يعود إلى جبريل، علَّم جبريل (سيد المرسلين) أي: علم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يشير بهذا إلى قوله تعالى: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} [النجم:٥-٦] وهذا الوصف لا إشكال أنه لجبريل، فإنه شديد القوى أي: شديد القوة: (ذُو مِرَّةٍ) أي: ذو هيئة حسنة، وقيل: إن الضمير في الآية يعود إلى الله، لكن الصحيح أن الضمير يعود إلى جبريل عليه السلام.

يقول: (فعلمه سيد المرسلين محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم) فالقرآن متلقى من جبريل عن الله عز وجل.

<<  <  ج: ص:  >  >>