قال رحمه الله تعالى:[وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من التابعين أهل الخير والأثر وأهل الفقه والنظر لا يذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل] .
من عقائد أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم على ورثة الأنبياء، وهذا من تمام سلامة قلوب أهل السنة والجماعة، فإن المؤلف رحمه الله ذكر سلامة قلوب أهل السنة والجماعة على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بذكر محبتهم وما لهم من الفضل، ثم ثنى ذلك بذكر من لهم الفضل بعدهم، وهم علماء السلف من السابقين -أي: المتقدمين- ومن بعدهم من التابعين، أي: ومن سلك سبيلهم من التابعين، هؤلاء حقهم ألا يذكروا إلا بالجميل.
فلا يذكرون بسوء، بل لا يذكرون إلا بالجميل، فلا تذكر سقطاتهم ولا زلاتهم، بل يذكر خيرهم وإحسانهم وفضلهم، وكل من وقع في هؤلاء بسوء -وذلك بالتنقيب عن أخطائهم والتفتيش عن زلاتهم والإشاعة لما خالفوا فيه الدليل- فإنه على غير السبيل؛ لأنه من كان قاصداً الحق عاملاً به داعياً إليه مجتهداً في إصابته فإنه لا وجه للإساءة إليه حتى لو أخطأ؛ فإن الخطأ لا يسلم منه أحد، وكل ابن آدم خطاء، فالخطأ في الاجتهاد واقع، وقد وقع من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فالوقوع في الخطأ في الاجتهاد فيما فيه الاجتهاد ليس مسوغاً لإيغار الصدور، ولا لإطلاق الألسنة في هؤلاء، بل الواجب الشفقة والرحمة، وهذا من سمات أهل السنة والجماعة؛ فإنهم يعظمون الحق ويرحمون الخلق، فيعظمون الحق بالدعوة إليه وبيانه وتوضيحه والذب عنه، ورد الشبه عنه، لكنهم مع هذا ليسوا ممن يظلمون الخلق، بل هم يرحمون الخلق، فيتطلبون للمخطئ العفو، ويبحثون عن الستر، ويطلبون العذر، ولا يطلقون ألسنتهم ولا أقلامهم في أهل الخير الذين عرفوا بالخير ولو كان منهم خطأ، لكن لا يعني هذا ألا ينبه على خطأ المخطئ، بل خطأ المخطئ من إنكار المنكر الذي يجب، لاسيما إذا كان الخطأ مما يحصل به إذلال للخلق، أما الأخطاء الخاصة كأن يخالف أو يقع في معصية صغيرة أو كبيرة فإن هذا ينصح فيه فيما بين الناصح والمخطئ، أما ما يتعلق بالخطأ العام كالخطأ في العلم أو في التأليف أو في القول فإنه ينبغي أن ينصح المخطئ، فإن رجع وإلا بين خطؤه بأسلوب ليس فيه شدة ولا غلظة، بل بأسلوب مليء بالشفقة والرحمة، وهذا من دواعي قبول النصيحة.
فعلماء السلف هم السابقون ومن بعدهم من التابعين، ثم ذكر أصنافهم فقال:(أهل الخير والأثر، وأهل الفقه والنظر) ، وهم المشتغلون بعلم الحديث والمشتغلون بعلم الفقه، فلا يذكرون إلا بالجميل، أي: بالجميل الحسن الذي يجمل به من ذكر، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل.