هذا الكلام من أنفس ما في هذه العقيدة من تقرير عقيدة أهل السنة والجماعة في هذه الصفة العظيمة صفة الكلام لله رب العالمين، والكلام صفة ذاتية للرب جل وعلا يثبتها أهل السنة والجماعة بالكتاب والسنة وإجماع السلف والعقل، ولما كانت صفة دل عليها العقل، أثبتها مثبتة الصفات، وإذا رأيتم في كلام العلماء:(مثبتة الصفات) ؛ فالمراد بهم: من يثبتون بعض الصفات وينكرون بعضها كالأشاعرة والكلابية والماتريدية وأشباههم، فهؤلاء يثبتون شيئاً من الصفات وينكرون شيئاً.
فمثبتة الصفات يثبتون لله عز وجل صفة الكلام؛ لأنها صفة كمال لله دل عليها العقل، والكلام صفة ذاتية؛ فلم يزل ولا يزال الله جل وعلا يتكلم أزلاً وأبداً كيف شاء جل وعلا:{قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي}[الكهف:١٠٩] ، فهو سبحانه وتعالى متكلم، ومن عطل الله جل وعلا عن هذه الصفة وقال: إنه لا يتكلم.
فقد افترى إثماً عظيماً على الرب جل وعلا، وأثبت له نقصاً كبيراً، فإن من دلائل ألوهية الله عز وجل واستحقاقه العبادة: أنه سبحانه وتعالى متكلم.
ولذلك لما احتج إبراهيم عليه السلام على قومه في تأليههم من عبد غير الله احتج عليهم بأنهم لا يتكلمون، وذلك في قوله:{فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ}[الأنبياء:٦٣] كذلك موسى عليه السلام احتج على إبطال عبادة العجل من قبل قومه بأنه لا يرجع قولاً، فكل من وصف الله عز وجل بأنه لا يتكلم فقد عطل الله جل وعلا عن صفة من الصفات الموجبة لإفراده بالعبادة سبحانه وتعالى.