[دين الله واحد وهو وسط بين الغلو والتفريط]
قال رحمه الله تعالى: [ودين الله في الأرض والسماء واحد وهو دين الإسلام، قال الله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران:١٩] ، وقال تعالى: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:٣] ، وهو بين الغلو والتقصير، وبين التشبيه والتعطيل، وبين الجبر والقدر، وبين الأمن والإياس] .
ليس هناك إشكال في أن دين الله في الأرض والسماء واحد وهو الإسلام، كما قال الله جل وعلا {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران:١٩] ، والإسلام المقصود به الاستسلام لله جل وعلا بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة؛ فهذا هو الدين الذي جاءت به جميع الرسل، فهو دين آدم، ودين نوح، ودين موسى، ودين إبراهيم، ودين عيسى، ودين جميع الرسل، قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران:١٩] ، وهو دين أشرفهم وخاتمهم محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهذا الدين واحد لا خلاف فيه ولا افتراق، قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران:١٩] ، وقال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران:٨٥] .
فقوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران:١٩] يعني: الدين المقبول الذي يحصل به للعبد النجاة والفوز، وحصول الرضا والجنة الإسلام.
وقال تعالى: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:٣] ، فقد رضي الله جل وعلا لهذه الأمة ما رضيه للأمم السابقة مع مزيد تخصيص وتفضيل لهذه الأمة بتكثير الشرائع.
والمؤلف رحمه الله بين دين الإسلام واقتصر في البيان على دين الإسلام لأنه دين أهل السنة والجماعة، فأهل السنة والجماعة هم أهل الإسلام الحق الصافي، وهم كما قال شيخ الإسلام: هم نقاوة المسلمين، وهم الصفوة، وهم الأخيار، وهم الذين قال الله جل وعلا فيهم: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:١١٠] ، وهم الذين قال الله فيهم: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة:١٤٣] ، وذكر المؤلف رحمه الله وسطية هذا الدين، وهو يثبت بذلك وسطية أهل السنة والجماعة؛ لأن أهل السنة والجماعة وسط في الفرق الإسلامية، كما أن دين الإسلام وسط بين الأديان، والوسطية ليست في جانب واحد، بل هي في جميع الجوانب، قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:١١٠] ، وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة:١٤٣] ، فالوسطية في كل شيء، وليست فقط في الاعتقاد، بل في الاعتقاد والعمل والقول، وفي كل أمر من أمور هذه الأمة.
يقول: (وهو بين الغلو والتقصير) .
الإسلام عند أهل السنة والجماعة بين الغلو والتقصير، والغلو: الزيادة، والتقصير: النقص.
فأهل السنة والجماعة طريقهم وسط لا غلو فيه ولا نقص، وقد نهى الله جل وعلا عن الزيادة كما نهى عن النقص، قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [النساء:١٧١] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إياكم والغلو.
إياكم والغلو.
إياكم والغلو) وقال: (هلك المتنطعون.
هلك المتنطعون) ، والأحاديث والآثار في النهي عن الغلو كثيرة.
وكذلك التقصير، فالنصوص كثيرة في النهي عن المعاصي؛ فإن كل معصية في اعتقاد أو قول وعمل من التقصير الذي نهى الله عنه.
قال: (وبين التشبيه والتعطيل) .
أهل الإسلام سالمون من هاتين الآفتين، فأهل السنة والجماعة سالمون من هاتين البدعتين، والتعطيل: نفي ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إما نفياً كلياً أو نفياً جزئياً، ويجمع نفي هاتين البدعتين قول الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١] ، فقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١] نفي لبدعة التشبيه، وقوله: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١] نفي لبدعة التعطيل.
قال: (وبين الجبر والقدر) .
أي: بين الذين يقولون بأن الإنسان لا مشيئة له ولا اختيار، وهم الجبرية، والذين يقولون: الإنسان يخلق فعل نفسه، والعبد يخلق فعل نفسه، فليس لله مشيئة ولا اختيار في فعل العبد ولا قدرة في فعل العبد.
وأهل السنة والجماعة يقولون كما قال الله جل وعلا: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير:٢٨-٢٩] ، فيثبتون للعبد قدرة وكسباً ومشيئة، ويثبتون أن هذه القدرة وهذه المشيئة وهذا الكسب لا يخرج عن تقدير الله جل وعلا ومشيئته، بل الله محيط بالعبد ومشيئته وقدرته، والعبد مخلوق للرب، كما أن ذاته وصفاته مخلوقة للرب جل وعلا.
قال رحمه الله تعالى: [وبين الأمن والإياس] .
هذا فيه بيان توسط أهل السنة والجماعة بين فريقين ضالين، وهم من عبد الله بالمحبة وحدها، ومن عبد الله بالخوف وحده، فأهل السنة والجماعة يعبدون الله بالمحبة والرجاء والخوف، وتقدم تقرير ذلك.
ثم قال رحمه الله تعالى: [فهذا ديننا واعتقادنا ظاهراً وباطناً، ونحن برآء إلى الله تعالى من كل من خالف الذي ذكرناه وبيناه] .
قوله: (فهذا) المشار إليه ما تقدم من العقائد، وقوله: (ديننا واعتقادنا ظاهراً وباطناً) ، يعني: الذي ندين الله سبحانه وتعالى به، ديننا: أي: الذي نتعبد الله جل وعلا به، واعتقادنا: أي ما طوينا عليه قلوبنا، وشددنا وربطنا عليه قلوبنا.
وقوله: (ظاهراً وباطناً) ، يعني: ليس عندنا ظاهر وباطن كحال الباطنية الذين لهم ظاهر وباطن.
ثم قال: (ونحن برآء إلى الله تعالى من كل من خالف الذي ذكرناه وبيناه) .
برآء أي: نتبرأ من كل من خالف الذي ذكرناه وبيناه.
وهذا هو الواجب، أن يتبرأ الإنسان من كل من خالف عقيدة أهل السنة والجماعة، لكن هذه البراءة كالمحبة في الله والبغض في الله، فالبراءة تتفاوت بتفاوت المخالفة، فلو كانت مخالفته عظيمة كان نصيبه من البراءة عظيماً، ومن كانت مخالفته كبيرة كان نصيبه من البراءة يسيراً، على أن المؤلف رحمه الله ذكر في هذه العقيدة ما خرج به عن عقيدة أهل السنة والجماعة، لاسيما في مسألة الإيمان.