ثم قال المؤلف رحمه الله:[ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر] ، هذا فيه النهي عن الأصل الثاني من أصول الشرك والكفر بالله عز وجل؛ لأن الشرك يدور على أصلين: - الأصل الأول: تشبيه الله بخلقه.
- والأصل الثاني: تشبيه الخلق بالخالق.
فمن شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن شبه الخلق بالله عز وجل فقد كفر، وعلى هذين الأصلين تدور جميع أنواع الشرك والكفر.
يقول:(ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر) ، أي: شبه الله بخلقه، فقال: يده كأيدينا، أو سمعه كأسماعنا، أو حياته كحياتنا، أو كلامه ككلامنا، أو ما أشبه ذلك فقد كفر، وهذا قول الممثلة الذين غلو في إثبات الصفات فمثلوا الله بخلقه.
وأبرز الفرق القائلة بهذا: الكرامية أتباع عبد الله بن كرام الذي مثل الله بخلقه، إلا أن هذه الفرقة انقرضت؛ ذلك أن الفطر مجبولة على تنزيه الخالق، وأن الله جل وعلا ليس كمثله شيء، ولذلك لم يقم لهذه الفرقة سوق، وإنما السوق القائمة لقول أهل التعطيل الذين دخلوا في صفات الله عزل وجل بعقولهم وآرائهم الفاسدة؛ فأفسدوا ما دلت عليه النصوص.
يقول رحمه الله:[فمن أبصر هذا] ، أي: من تأمل وأدرك وفهم وعقل، فالإبصار هنا إبصار القلب لا إبصار النظر فقط، (فمن أبصر هذا اعتبر) ، أي: حصلت له العبرة والعظة.
قال:[وعن مثل قول الكفار انزجر] أي: إن كف وامتنع سواء فيما يتعلق بصفة الكلام أو بغيرها من الصفات، وعلم أنه جل وعلا بصفاته ليس كالبشر، كما قال الله جل وعلا:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}[الشورى:١١] .
تنبيه: الضمائر في قوله: (فأنزله، وصدقه) كلها تعود إلى القرآن، ويمكن أن يكون المعنى: صدق الرسول في قوله.