[الفرق بين مصطلح المماثلة والمشابهة فيما يتعلق باعتقاد أن الله ليس كمثله شيء]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: فقال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يشبه الأنام، حي لا يموت، قيوم لا ينام، خالق بلا حاجة، رازق بلا مؤنة] .
تصح مئونة أو مؤنة، لكن المشهور عند مشايخنا مئونة.
[خالق بلا حاجة، رازق بلا مئونة، مميت بلا مخافة، باعث بلا مشقة، ما زال بصفاته قديماً قبل خلقه، لم يزدد بكونهم شيئاً، لم يكن قبلهم من صفته، وكما كان بصفاته أزلياً كذلك لا يزال عليها أبدياً، ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم الخالق، ولا بإحداث البرية استفاد اسم الباري، له معنى الربوبية ولا مربوب، ومعنى الخالق ولا مخلوق، وكما أنه محيي الموتى بعد ما أحيا استحق هذا الاسم قبل إحيائهم، كذلك استحق اسم الخالق قبل إنشائهم، ذلك بأنه على كل شيء قدير، وكل شيء إليه فقير، وكل أمر عليه يسير، لا يحتاج إلى شيء] .
قوله رحمه الله: (ولا يشبه الأنام) ، هذا فيه ما تقدم في قوله: (لا شيء مثله) ، وقد تقدم الكلام على نفي المثلية لله سبحانه وتعالى، وأنه جل وعلا ليس كمثله شيء، دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع والعقل.
فإن الله سبحانه وتعالى لا مثيل له في ذاته، ولا مثيل له في أسمائه وصفاته، ولا مثيل له في أفعاله، ولا مثيل له فيما يجب له.
فقول المؤلف رحمه الله هنا: (لا يشبه الأنام) تكرار لما تقدم، وهذا من المواضع التي كرر فيها المؤلف رحمه الله القول، وسيأتي أيضاً مزيد تكرير لهذا الأمر.
وقوله: (الأنام) المراد بهم الخلق، (لا يشبه الأنام) فهو سبحانه وتعالى ليس بينه وبين خلقه مشابهة، فالمنفي هنا هو المشابهة.
وإذا نظرنا إلى نصوص الكتاب والسنة لم نجد فيهما ما يدل على نفي المشابهة، إنما الذي في الكتاب والسنة هو نفي المثلية: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١] ، ولذلك ذهب جماعة من المحققين من أهل العلم: إلى أن الذي ينفى عن الله عز وجل هو المثل لا الشبيه؛ وذلك أنه جل وعلا أخبرنا بصفات عن نفسه، وهذه الصفات نحن لا ندرك كيفيتها، وإنما نعقل معناها ونفهم معناها لما أدركناه في المشاهدة مما هو شبيه لها، والمشابهة ليست في الصفة التي اتصف بها الله جل وعلا، بل هي في أصل الصفة.
فمثلاً: العلم ندرك معناه، فالعلم ضد الجهل، وقد وصف الله جل وعلا نفسه بالعلم، ونحن ندرك أن العلم الذي يتصف به المخلوق هو ضد الجهل، فبين العلم الموصوف به الرب جل وعلا والعلم الموصوف به العبد مشابهة من حيث أصل المعنى وهو عدم الجهل، ولكن هل علم الله عز وجل كعلم المخلوق؟ لا، لا إشكال أن علم الله جل وعلا ليس كمثله شيء كسائر صفاته سبحانه وتعالى، فثبوت أصل المشابهة لا يعارض نفي المثلية، وإنما ذكر المؤلف رحمه الله وغيره من أهل السنة نفي المشابهة؛ لأن نفي المشابهة في اصطلاح المتكلمين يوازي ويعني نفي المماثلة، فعندهم لا يشبه الأنام أو ليس له شبيه مرادهم بذلك أنه ليس له مثيل، مع أن بعضهم يستعمل هذا في نفي كل الصفات فيقول: (لا يشبه الأنام) ومعنى هذا: أنه ما أخبر به عن نفسه سبحانه وتعالى من الأوصاف لا نعقله، فيستعملون هذا لنفي الصفات المتقررة التي يثبتها أهل السنة والجماعة، والصحيح في النفي أن ننفي المماثلة، أما المشابهة فإننا إذا نفيناها بالكلية يلزم من ذلك أننا لا نعقل ما أخبر الله به عن نفسه، فلا نعقل معنى العلم؛ لأنه لا يوجد مشابهة، ولا نعقل معنى الحلم؛ لأنه لا يوجد مشابهة، ولا نعقل معنى البصر والسمع والكلام وما إلى ذلك مما وصف الله سبحانه وتعالى به نفسه، إذا كان المنفي هو أدنى مشابهة فإنه يتعذر علينا فهم ما أخبر الله سبحانه وتعالى به عن نفسه؛ ولذلك تحرير القول في نفي المشابهة أن نقول: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١] ، وأما المشابهة فلابد منها بين كل شيئين، ولكن المشابهة لا تستلزم إثبات النقص لله عز وجل، أو إثبات الصفة للمخلوق كصفة الخالق، أو جعل صفة الخالق كصفة المخلوق؛ ولذلك الأحسن في النفي أن نقول: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١] .
وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حين كتب عقيدة الواسطية تحرى ألا يكون فيها إلا ما جاء النص عليه في كتاب الله عز وجل أو في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولما أراد نفي المماثلة لم يستعمل نفي المشابهة، بل استعمل النص القرآني فقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١] .
وقال أيضاً في النفي: من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، ولم يقل: تشبيه، فلم يذكر المشابهة؛ لأن المشابهة لفظ مجمل قد يتوصل به إلى نفي أصل الصفات التي يثبتها أهل السنة والجماعة.
والمراد: أن الله جل وعلا لما كان الغاية في الكمال فإنه جل وعلا لا مثيل له ولا نظير ولا سمي ولا كفء لا في ذاته ولا في أسمائه ولا في صفاته، ولا في أفعاله، ولا فيما يجب له سبحانه وتعالى.