[الرد على شبهة الجهمية في قولهم: إثبات الصفات يلزم منه تعدد الذات]
الشبه التي رد عليها الشيخ رحمه الله بهذا الكلام هي مسألة ما يدعيه الجهمية من أنه يلزم من إثبات الصفات تعدد القدماء، وهذه الشبهة الكبيرة عند أهل الكلام يجعلونها سيفاً مسلطاً على النصوص؛ لإبطال ما دلت عليه من اتصاف الله عز وجل بصفات الكمال، يقولون: إذا كان الله جل وعلا موصوفاً بالعلم وبالحياة وبالقدرة وبالكلام وبالسمع وهو قديم وصفاته قديمة، إذاً هذا يفيد تعدد القدماء، وإذا أصبح عندنا عدة قدماء فهذا يدل على أن الله ليس موصوفاً بهذه الصفات.
ونقول لهم: إن الله جل وعلا قديم بصفاته، وليس هذا من تعدد القدماء، وليس فيه أن غير الله جل وعلا يشاركه في أنه الأول الذي ليس قبله شيء؛ لأن الله جل وعلا هو بصفاته قديم؛ ولذلك قال المؤلف رحمه الله في إبطال هذه الشبهة:[مازال -أي: الرب جل وعلا- بصفاته قديماً قبل خلقه] ، فجعل القدم له بصفاته التي هو متصف بها سبحانه وتعالى وهي له.
وهذه شبهة باطلة ناقشها شيخ الإسلام رحمه الله في مواضع عديدة، ومن هذه المواضع كتاب درء تعارض العقل والنقل، فقد أبطلها وبين عوارها.
أيضاً: مما يرد به على المعتزلة وغيرهم من الجهمية من خلال هذا الكلام: ما يذكرونه من أن إثبات الصفات يقتضي حلول الحوادث، والله جل وعلا لا تحله الحوادث؛ ولذلك هم يقولون: لا تحله الحوادث، أي: أنه لا تقوم به الصفات الاختيارية، وهذه من أكبر الشبه التي يستندون إليها أيضاً في إبطال الصفات، فبيّن المؤلف رحمه الله بأن الله موصوف بصفات الكمال أزلاً وأبداً، وأنه سبحانه وتعالى لا يلزمه النقل بهذا بوجه من الوجوه، وعلل المؤلف رحمه الله ما تقدم من قوله:[ما زال بصفاته قديماً قبل خلقه، لم يزدد بكونهم شيئاً، لم يكن قبلهم من صفته، وكما كان بصفاته أزلياً كذلك لا يزال عليها أبدياً] علل ذلك بقوله: [ذلك بأنه على كل شيء قدير] ، فهذه الجملة كالتعليل لما تقدم من التقرير.
فالمشار إليه في قوله:(ذلك) قول المؤلف رحمه الله: (ما زال بصفاته قديماً) ، ذا: اسم إشارة، والمشار إليه قوله:(ما زال بصفاته قديماً) ، (ذلك بأنه على كل شيء قدير) ، فاتصاف الله سبحانه وتعالى بهذه الصفات العظيمة، وأنه موصوف بها أزلاً وأبداً؛ ذلك بأنه جل وعلا على كل شيء قدير، قال الله:{وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[البقرة:٢٨٤] ، وهذا يعم كل شيء، فالله جل وعلا على كل شيء قدير، لكنه سيأتي الكلام فيما يخرج من هذا العموم كإخراج الممتنعات، فإنها لا تدخل في هذا، إنما الذي يدخل فيه الممكنات فإنه عليها جل وعلا قدير، أما الممتنع فلا يدخل في هذا.