أهل القِبْلة
ثم قال رحمه الله بعد ذكر هذه الأصول من أصول الإيمان وهو الإيمان بالملائكة والنبيين والكتب قال: (ونسمي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين) أهل القبلة هم: أهل الإسلام، وهذا اللفظ مستعمل في كلام العلماء في وصف كل مسلم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا؛ فذاك المسلم) حيث جعل النبي صلى الله عليه وسلم من قام بهذه الخصال مسلماً، فأثبت له وصف الإسلام بهذه الأمور الثلاثة.
وإنما خصت القبلة بإضافة أهل الإسلام إليها؛ لأنهم يجتمعون عليها، فأهل الإسلام حيثما كانوا يتوجهون في صلاتهم إلى القبلة، فلما كانت هي عنوان اجتماعهم نسبوا إليها، فحيثما وجدت في كلام العلماء: أهل القبلة فهم: أهل الإسلام، وفي بعض المؤلفات يطلقون على أهل الإسلام أهل الصلاة؛ لأنه لا خلاف بينهم في وجوبها، فهي ثاني أركان الإسلام بعد التوحيد: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
يقول رحمه الله: (ونسمي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين) تسميتهم بالمسلمين لا شك في ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فذاك المسلم) فمن استقبل القبلة فهو مسلم، ومن هذا أخذ بعض أهل العلم أن الإسلام يثبت بفعل كل ما هو من خصائص أهل الإسلام، ولا يلزم أن ينطق بالشهادتين، لكنه يطالب بها، لكنّ حكم الإسلام يجري عليه بأن يفعل ما يختص بأهل الإسلام، وما يختص به المسلمون عن غيرهم.
فمن استقبل القبلة حُكم له بأنه مسلم، ثم نُظر هل يأتي بما بقي، فإن أتى بما بقي جرى عليه حكم الإسلام، وإن امتنع عما بقي مما يجب عليه كان مرتداً؛ ولذلك ذكر الفقهاء أن من صلى مع المسلمين فهو مسلم حكماً، أي: يجري عليه حكم الإسلام.
قال رحمه الله: (ما داموا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم معترفين) أي: مقرين وقابلين.
قال: (وله بكل ما قال وأخبر مصدقين) ، ولا شك أن من كان منه ذلك فإنه مسلم؛ لأن الإسلام يثبت بالشهادتين، فمن قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله فهو المسلم؛ لأن هاتين الشهادتين تتضمنان الاعتراف بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم إجمالاً، والقبول لها، والتصديق لما جاء به من أن الله واحد وأنه إله حق، وأن ما سواه من الآلهة باطل، وأن رسول الله يبلغ عنه.
ففي قول المؤلف رحمه الله: (ونسمي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين، ما داموا بما جاء به النبي معترفين، وله بكل ما قاله وأخبر مصدقين) قوله: (مسلمين مؤمنين) هذا فيمن حقق ما ذكر المؤلف رحمه الله، ولكن اعلم أن الإسلام والإيمان من الألفاظ والأسماء التي تختلف دلالتها باختلاف الاجتماع والافتراق، فإذا اجتمع الإسلام مع الإيمان كان الإسلام مما يتعلق بالعمل الظاهر، والإيمان مما يتعلق بالعمل الباطن.
وأما إذا افترقا فإن معنى كل واحد منهما يشمل الآخر، ويدخل فيه الآخر، وسيأتي تقرير هذا في بحث الإيمان في كلام المؤلف رحمه الله.
فقوله رحمه الله: (مسلمين مؤمنين) لعله أراد: من كمل الظاهر والباطن، أما من اقتصر فقط على الاعتراف بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وصدق ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم مجرد تصديق، فإن هذا لا يوصف بالإيمان، يعني: من قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأتى بأركان الإسلام لا يوصف بالإيمان حتى يباشر الإيمان قلبه، كما قال الله جل وعلا في الأعراب: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:١٤] (لمّا) التي تفيد نفي الشيء مع قرب حصوله ووجوده، فدل هذا على الفرق بين مسمى الإيمان ومسمى الإسلام في حال الاجتماع، فهذا لعله من جملة ما يلاحظ على كلام المؤلف رحمه الله.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.