ثم قال رحمه الله:[فويل لمن صار لله تعالى في القدر خصيماً، وأحضر للنظر فيه قلباً سقيماً، لقد التمس بوهمه في فحصه الغيب سراً كتيماً، وعاد بما قال فيه أفاكاً أثيماً] .
ذكر رحمه الله هذا الكلام في ختام مبحث القدر في هذا المقطع، وهو سيعيد بعض ما يتعلق بالقدر يقول:(فويل لمن صار لله تعالى في القدر خصيماً)(خصيماً) فعيل بمعنى: فاعَلَ، يعني: خَاصَم، فويل له إذا خاصم قدر الله كما فعل إبليس عليه من الله ما يستحق من اللعن حيث قال:{رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي}[الحجر:٣٩] فخاصم الله جل وعلا في قدره.
فهؤلاء الذين خاصموا الله في قدره بأن أنكروه أو كذبوه أو جعلوه حجة على ترك الشريعة ومخالفة الأمر، (فويل لمن صار لله تعالى في القدر خصيماً) ويل: كلمة وعيد، قيل: إنها واد في جهنم، وهذا لا يثبت بسند صحيح، وإنما (ويل) كلمة عذاب فهي كلمة إنشاء وإخبار، (إنشاء) أي: دعاء، فإذا قلت:(ويل) فأنت تدعو بالويل على هذا، (وإخبار) أي: أنك تخبر أنه استحق الويل، وهذا ليس بغريب في اللغة أن تأتي كلمة وتفيد معنيي الجملة؛ لأن الجمل إما أن تكون إنشائية أو خبريه.
و (ويل) تضمنت هذين المعنيين: المعنى الإنشائي، والمعنى الخبري.
قال:(وأحضر للنظر فيه) يعني: في القدر (قلباً سقيماً) وهذا فيه أنه لا يسلم الإنسان من غوائل البحث في القدر إذا كان صاحب قلب سقيم مليئ بالمعارضة وعدم التعظيم للنصوص، ثم قال:(لقد التمس بوهمه) أي: ظنه الكاذب وتوهمه الفاسد في فحص الغيب (سراً كتيماً) ولا يمكن أن يصل إلى شيء (كتيماً) فعيل بمعنى: مفعول، أي: سراً مكتوماً لم يظهره الله سبحانه وتعالى لأحد، كما قال سبحانه وتعالى:{عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا}[الجن:٢٦] .
ثم قال:(وعاد بما قال فيه) أي: بعد أن استصحب القلب السقيم، والنظر الكليل، والوهم الفاسد، (عاد بما قال فيه) يعني: في القدر (أفاكاً) أي: كذاباً (أثيماً) أي: مأثوماً فأثيم فعيل بمعنى: مفعول أي: مأثوم، ومعناه قد حصَّل الإثم من رب العالمين.