لم يختلف السلف في معراج النبي وثبوته، وإنما اختلفوا في مسألة هل عرج به صلى الله عليه وسلم بروحه وشخصه، أم أنه عرج بروحه دون شخصه؟ يعني: دون بدنه، ولم يقل أحد منهم إنه عرج به مناماً، وهنا مسألة تلتبس على طلبة العلم فيظن أن قول عائشة ومعاوية رضي الله عنهما من أن العروج كان بروحه أنه كان مناماً، وهذا ليس بمراد لهم، إنما أرادوا أن الروح انفصلت عن البدن انفصالاً تاماً وعرج بها فلم يكن لها تعلق بالبدن.
والذي عليه أهل السنة والجماعة ودل عليه الكتاب والسنة وقول الصحابة رضي الله عنهم: أن العروج إلى السماء كان بروحه صلى الله عليه وسلم وبدنه، ولا تعجب فهذه قدرة الله جل وعلا الذي أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون، وليس المحل محل تنظير بالواقع حتى نقول: هذا لا يمكن، فإن ذلك على الله يسير.
قال رحمه الله:(وقد أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم) هذا فيه إثبات الإسراء، وهو مقدمة المعراج، وقد جرى للنبي صلى الله عليه وسلم في إسرائه ومعراجه آيات عظيمة، وأما الإسراء فقد ثبت في الكتاب في سورة الإسراء حيث قال سبحانه وتعالى:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى}[الإسراء:١] فلا إشكال في ثبوت الإسراء، حيث أسري به صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى، وصلى فيه بالأنبياء، ثم بعد ذلك عرج به إلى السماء صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
ثم قال رحمه الله في بيان المعراج:(وعرج بشخصه في اليقظة إلى السماء) ومعلوم أنه حين قال: (بشخصه) فالمراد الروح والبدن؛ لأن العروج بالبدن دون الروح لا فائدة منه، إنما العروج الذي أثبته بقوله:(وعرج بشخصه) أي: بروحه وبدنه صلى الله عليه وسلم (في اليقظة) ليدفع قول من قال: إنه عرج به في المنام، (إلى السماء) إلى العلو، والسماء هنا: اسم جنس يشمل السماء الدنيا والعليا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم جاوز السبع الطباق، وبلغ مكاناً لم يبلغه أحد سمع فيه صريف الأقلام الله أكبر! صوت الأقلام التي تكتب ما شاء الله أن يقضي في عباده، كل يوم هو في شأن جل وعلا، وهذه منزلة لم يبلغها أحد قبل النبي صلى الله عليه وسلم، ولن يبلغها أحد بعده صلى الله عليه وعلى آله وسلم.