ثم قال رحمه الله:(وبعذاب القبر) أي: ونؤمن بعذاب القبر (لمن كان له أهلاً) أي: لمن كان له مستحقاً، والقبر المقصود به ما يكون بعد الموت وقبل البعث من نعيم وعذاب، هذا المقصود بعذاب القبر، وليس المقصود أن العذاب لا يكون إلا في القبر، بل يكون العذاب في القبر وفي غير القبر، فكل ميت يموت -قبر أو لم يقبر- فإنه إما في نعيم أو عذاب، لا يخلو أحد الموتى من هذا.
فقوله:(وبعذاب القبر) يعني: العذاب الذي محله القبر، والقبر هو مدفن الموتى، وأضيف العذاب إلى القبر؛ لأنه محله في الغالب، ولكنه لا يقتصر عليه، قال:(لمن كان له أهل) أي: مستحقاً، ولم يبين المؤلف رحمه الله من هم أهل عذاب القبر؟ وذلك أن عذاب القبر له أسباب توجبه ومن أسبابه: الشرك والكفر، وهذا لا إشكال فيه قال الله جل وعلا:{النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}[غافر:٤٦] فذكر الله جل وعلا عذابهم في فترة قبل البعث وقبل يوم القيامة، وقال سبحانه وتعالى:{وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ}[السجدة:٢١] قيل: إن العذاب الأدنى هو عذاب القبر، وهو الذي يكون في البرزخ، وقال سبحانه وتعالى:{مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا}[نوح:٢٥] وهذا الإدخال بعد موتهم، ومعلوم أن الدخول الذي يكون مستقراً دائماً ومتوعد به أهل الكفر لا يكون إلا بعد البعث، وهذا دخول مباشر بعد الإغراق، فهذا الذي يكون في البرزخ.
وعذاب القبر غالبه على الروح، وقد يلحق البدن شيء من ذلك، لكن الغالب فيما يكون من عذاب القبر ومن نعيمه إنما هو للأرواح.