قال رحمه الله:(ونجتنب الشذوذ والخلاف والفرقة) وكل هذا ناشئ عن التفريط في اتباع السنة والجماعة، فكل من فرط في اتباع السنة، وفي الأخذ بالجماعة؛ فإنه يقع في أحد هذه الخلال الثلاث المذمومة: الشذوذ وهو: الانفراد، ولكنه ليس الانفراد بمعنى: التوحد على الحق، وإنما هو: الخروج عن الصراط المستقيم، والخلاف، والفرقة.
والفرقة: هي مفارقة الجماعة، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم مفارقة الجماعة سبباً مما يستباح به الدم، بل كل من سعى في تفريق المؤمنين فإنه يستحق أن يقتل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(إذا جاءكم أحد وأمركم جميع يريد أن يفرق بينكم فاقتلوه كائناً من كان) وهذا يدل على أن كل من سعى في الفرقة بين المسلمين، وفي اختلال اجتماعهم فإنه من أهل الفرقة الذين يستحقون هذه العقوبة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
ولا شك أن الاختلاف وقع بعد الصحابة رضي الله عنهم، أما الخلاف في العمليات فهو واقع في زمنهم رضي الله عنهم، بل حتى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فيما لم يعلموا فيه قولاً عنه صلى الله عليه وسلم، لكن الخلاف المذموم هو: الاختلاف الذي فيه المخالفة لهدي السلف الصالح، ولما كان عليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الاعتقاد، هذا الذي يذم صاحبه، وكذلك تقصد مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم فيما عُلِمَ أنه من فعله أو قوله أو هديه صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الاختلاف فقال في وصيته:(فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً) ثم وجه إلى المخرج من هذا الاختلاف فقال: (فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ) ووصفهم بالوصفين الدالين على المسوغ للاتباع: الرشد والهداية، الرشد: ضد الغي، والهداية: ضد الضلال، وبهما يسلم الإنسان من الزيغ والانحراف.