وقبل أن نخوض في حقيقة الخلاف، وهل هو خلاف لفظي أو خلاف معنوي، نقول: عقد أهل السنة والجماعة الذي اشتهر عنهم واتفقوا عليه ولا خلاف بينهم في القرون المفضلة: أن الإيمان قول وعمل، وقد تواترت المقالات والأقوال عن أهل السنة والجماعة في هذا؛ فهم يجعلون الإيمان قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح، فأهل السنة والجماعة عرفوا الإيمان بهذا التعريف المفصل الذي يشمل كل خلال الإيمان وشعبه وصفاته وأخلاق أهله، فمنها ما يكون في القلب، ومنها ما يكون في اللسان، ومنها ما يكون في الجوارح.
والمؤلف رحمه الله هنا اقتصر في تعريف الإيمان على ذكر الإقرار باللسان والتصديق بالجنان، ولم يذكر دخول الأعمال في مسمى الإيمان، ومعلوم أن الإيمان اسم شرعي، والأسماء الشرعية قد جاء الكتاب والسنة ببيانها بياناً واضحاً، فلا يتلقى تعريف هذه الأسماء، ولا الوقوف على حقيقتها إلا من الكتاب والسنة، وقد دلا على أن الإيمان يكون منه عقد، ويكون منه قول، ويكون منه عمل، وأشمل ما ورد في الاستدلال: حديث خصال الإيمان، وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة:(الإيمان بضع وسبعون شعبة) ، وفي رواية (بضع وستون شعبة، أعلاها: قول لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) ، وإذا تأملت هذه الأعمال وجدت أنها قول في قول النبي صلى الله عليه وسلم:(أعلاها: قول لا إله إلا الله) ، وعمل في قوله:(وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق) ، فجعل إماطة الأذى عن الطريق من شعب الإيمان، وقال:(والحياء شعبة من الإيمان) ، والحياء عمل قلبي من أعمال القلوب؛ فدل ذلك على أن الإيمان قول وعمل، وأن الأعمال داخلة في الإيمان، ومن طالع نصوص الكتاب والسنة النبوية أيقن إيقاناً جازماً أن العمل من الإيمان، وأنه يطلق الإيمان في الشرع على الأعمال، وأنها لا تخرج عن مسمى الإيمان، ومن أخرجها فقد خرج عما دلت عليه النصوص.