ثم قال رحمه الله:[وهو تفسير لا حول ولا قوة إلا بالله، نقول: لا حيلة لأحد، ولا حركة لأحد، ولا تحول لأحد عن معصية الله إلا بمعونة الله؛ ولا قوة لأحد على إقامة طاعة الله، والثبات عليها إلا بتوفيق الله تعالى] .
قال رحمه الله:(وهو تفسير لا حول ولا قوة إلا بالله) ، المشار إليه ما تقدم من تقرير مسائل القدر، ولا شك أن قول: لا حول ولا قوة إلا بالله، من أعظم الأدلة على إثبات القدر، ومن أعظم الأدلة في الرد على القدرية الذين يقولون: إن العبد يخلق فعل نفسه؛ لأن معنى قوله: لا حول ولا قوة إلا بالله؛ ما قاله المؤلف: لا حيلة لأحد، فالحول اسم للتحول، وهو الانتقال من حال إلى حال، وهذا يشمل كل الأحوال الظاهرة الباطنة، العامة الخاصة، لا تحول لأحد من حال إلى حال، ولا قوة له على ذلك التحول إلا بالله العلي العظيم، فكل حركة وسكون، وكل انتقال وتغير، وكل تحول فإنه بمشيئة الله وقدرته، لا قدرة للعبد على ذلك مهما أوتي من القدرة والمكنة والاستطاعة إلا بتقدير الله جل وعلا.
يقول:[نقول: لا حيلة لأحد، ولا حركة لأحد، ولا تحول لأحد عن معصية الله إلا بمعونة الله؛ ولا قوة لأحد على إقامة طاعة الله والثبات عليها إلا بتوفيق الله] ، وهذا فيه كمال التفويض لله جل وعلا، وهذه الجملة من الجمل التي لا تخصيص لها، والعموم فيها على إطلاقه ولا مخصص له، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في فضلها:(إنها كنز من كنوز الجنة) ، وذلك لما تتضمنه من تمام الإخلاص والتفويض والإيمان بالله جل وعلا، ولما فيها من الخير العظيم لمن اعتقد معناها، وقر في قلبه مقتضاها ومفادها، ومما يعين الإنسان على الانتقال من حال إلى حال استحضار هذا؛ ولذلك لها تأثير عجيب في تحمل المشاق، وفي ركوب الأهوال، وفي تحصيل المطالب، ومن لزمها وفق إلى خير كثير، ويكفي في فضلها أن النبي صلى الله عليه وسلم سماها كنزاً فقال لـ أبي موسى:(ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟) والكنز اسم لنفيس المال الذي يخفى على الناس نفعه، وهذا هو المطابق لهذه الكلمة، فإن الكنز لا يطلق على المال الظاهر الذي يراه كل أحد، إنما ما خفي من المال وكان نفيساً، فملازمة هذه الكلمة من أنفع ما يكون للعبد، والمقصود من سياق المؤلف رحمه الله لهذه الكلمة في هذا الموضع هو بيان ما يدل على قوله رحمه الله:(وأفعال العباد خلق الله، وكسب من العباد) فهي مقررة لإثبات القدر.