ثم قال رحمه الله:(والكرسي) والكرسي جاء ذكره في القرآن الحكيم في قول الله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ}[البقرة:٢٥٥] ، واختلف العلماء في حقيقة الكرسي: فمنهم من قال: إن الكرسي هو العرش، والصحيح: أنه شيء غير العرش؛ لورود التفريق بين الكرسي والعرش في عدة نصوص من الكتاب والسنة.
وقال آخرون في الكرسي: إنه موضع قدمي الرب جل وعلا، فهو بين يدي العرش، جاء هذا عن ابن عباس موقوفاً، ومعلوم أن مثل هذا لا يقال بالرأي؛ ولذلك قبله جماعة من العلماء، وأثبتوا له حكم الرفع ما لم يكن نقله عن أهل الكتاب، فإن ابن عباس له رواية عن أهل الكتاب، وإن كان ينكر الأخذ عنهم رضي الله عنه كما جاء ذلك عنه في صحيح البخاري، لكن المشهور أنه أخذ عنهم، فلعل ما أنكره هو الإقبال على ما عندهم، والأخذ بما يقولون، واعتماده.
وعلى كل حال من قال: إن العرش موضع القدمين، فقد استند إلى أثر ابن عباس.
وقال آخرون: إن الكرسي خلق عظيم من خلق الله عز وجل غير العرش، ولم يقيدوه بأنه موضع القدمين ولا بغير ذلك، وهذا القول الأخير هو قول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله؛ وذلك لأن الأثر الوارد عن ابن عباس ضعيف، فمن صححه قال بما جاء في الأثر من أن الكرسي موضع القدمين كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله في نونيته، ومن رأى ضعف الأثر لم يستند إليه في إثبات هذا الوصف، وقال: الكرسي خلق من خلق الله عظيم، والله أعلم به، واقتصر على هذا.
وعلى كل حال لا شك أن العرش والكرسي حق -كما قال المؤلف رحمه الله- لثبوت ذلك في النصوص.