قال المصنف رحمه الله:[ولا نقول: لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله] هذه العبارة من المؤلف رحمه الله فيها الرد على المرجئة وهم من قابل الخوارج.
وانظر -يا أخي- إلى البدع كيف ينشأ عنها بدع، ويتولد عنها شرور، ومن الشرور التي تتولد عن البدع: أن البدعة تسبب بدعة أخرى، وتدعو إلى بدعة أخرى، فبدعة الخوارج الذين غلوا في التكفير فكفروا الزاني، وكفروا شارب الخمر، وكفروا المرابي، وكفروا كل من وقع في كبيرة، بل كفروا بما يرون أنه ذنب وليس بذنب حتى كفروا أفاضل الصحابة رضي الله عنهم، قابلتهم بدعة المرجئة الذين قالوا: لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله مهما كان الذنب، يعني: لو جاء رجل -نعوذ بالله- ورمى المصحف وداسه وبال عليه وتغوط -نعوذ بالله- ما يكفر؛ لأن هذا ذنب ما يحصل به الكفر عند هؤلاء، وما دام مصدقاً بقلبه فلا يضره ما يفعله من الأفعال، ولو يمسي ويصبح على سب الله ورسوله ما يكفر؛ لأنه لا يضر مع الإيمان ذنب، وما هو الإيمان عندهم؟ الإيمان عندهم: مجرد المعرفة، فمن عرف الله فهو مؤمن، ولو لم يركع لله ركعة، ولو لم يقم بعمل صالح، بل ولو قام بما قام به من الكفر، فلو سجد للصنم -وهو مؤمن على زعمهم- لا يضره مع الإيمان ذنب، وهذا قول خطير؛ ولذلك قال المؤلف رحمه الله:(ولا نقول: لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله) أي: بل الذنوب تضر، وضررها متفاوت، منها ما يضاد الإيمان ويرفعه، وهذا في الاعتقاد والعمل: في الاعتقاد كأن يعتقد أن غير الله ينفع ويضر، أو أن يجحد ما تيقن أنه جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي العمل كأن يسجد للصنم، أو يدعو غير الله، أو ما أشبه ذلك من المكفرات العملية، فهذا يضر الإيمان ويرفعه.
إذا: ً من الذنوب ما يضاد الإيمان في الاعتقاد والعمل، ومنها ما ينقص الإيمان ولا يضاده، وهذا الذي ينقص الإيمان ويضاده يشمل كل الذنوب صغيرها وكبيرها، فإن الذنوب صغيرها وكبيرها على تفاوتها واختلافها تضر صاحبها، وتنقص مرتبته، ولكنها لا ترفع عنه وصف الإيمان، فالزاني مؤمن بإيمانه، وفاسق بكبيرته؛ ولذلك قال شيخ الإسلام رحمه الله:(ولا يسلبون اسم الإيمان عن الفاسق الملي) يعني: من كان فاسقاً من أهل الملة لا يُسلب عنه مطلق الإيمان، يعني: الإيمان بالكلية، ولا يُثبت له الإيمان المطلق، فلا نقول: هو مؤمن كامل الإيمان كما تقول المرجئة، ولا نقول: إنه لا إيمان معه كما تقول الخوارج، بل هو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته.
والله أعلم.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.