[الإيمان بأشراط الساعة]
قال رحمه الله تعالى: [ونؤمن بأشراط الساعة من خروج الدجال ونزول عيسى بن مريم من السماء، ونؤمن بطلوع الشمس من مغربها، وخروج دابة الأرض من موضعها] .
أشار المؤلف رحمه الله في هذا المقطع إلى أشراط الساعة، فقال: (نؤمن بأشراط الساعة) ، وأشراط الساعة علاماتها، وقد ذكر الله جل وعلا ذلك في قوله: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد:١٨] ، أي: علاماتها، والساعة المراد بها هنا القيامة الكبرى، وليست الساعة الخاصة وهي موت كل إنسان، فإن الله جل وعلا قد جعل للساعة الكبرى التي يقوم فيها الناس لله رب العالمين -وهي إيذان بانتهاء الدنيا- جعل لها علامات، وهذه العلامات أبرزها بعثة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإن بعثة النبي صلى الله عليه وسلم من علامات الساعة، قال الله جل وعلا: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر:١] ، وانشقاق القمر جرى وقت النبي صلى الله عليه وسلم آية له؛ فإن مشركي مكة طلبوا منه آية فشق الله له القمر فلقتين شهدهما الناس، لكنهم كذبوا وقالوا: سحر مستمر، وسحر ذاهب باطل، وقال بعضهم لبعض: سلوا أهل الأسفار، فإن كانوا قد رءوا ما رأيتم من انشقاق القمر فإنه حق، وإن كانوا لم يروا ذلك فإنه ليس بحق، وإنما سحر سحركم به، فسألوا المسافرين من كل وجه فكلهم أثبت رؤية الانشقاق.
ومما يدل على أن الانشقاق وقع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة العيد بـ (ق) و (اقتربت الساعة) ، والناس يسمعون هذا، ويسمعون قوله تعالى: {وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر:١] ، ولم يقم واحد منهم ينكر ويكذب انشقاق القمر.
فمن علامات الساعة بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، والعلامات تنقسم إلى قسمين: علامات كبيرة وعظيمة، وعلامات صغرى دون ذلك، فالعلامات الصغرى كثيرة جداً، وأما العلامات الكبرى فهي التي إذا ظهرت آذن ذلك باختلال العالم، وأول هذه الآيات الكبرى العظيمة خروج الدابة، وطلوع الشمس من مغربها، فإنها أول الآيات العظمى.
وأما خروج الدجال وخروج يأجوج ومأجوج ونزول عيسى ابن مريم من السماء فهذا ليس من الآيات الكبرى؛ لأنه من جنس ما يدركه البشر؛ لأن الدجال من البشر، ويأجوج ومأجوج من البشر، وعيسى ابن مريم من البشر، فهي آيات كبرى لكنها ليست كالآيات التي تؤذن بخروج العالم عن المألوف؛ ولذلك إذا طلعت الشمس من مغربها انقطعت التوبة، وانتهى الأمر، وكذلك الدابة تخرج وتميز المسلم من الكافر، فالأمر منته؛ ولذلك جاء في صحيح مسلم (إن أول الآيات طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة) وأيهما خرجت أولاً فالأخرى في أثرها، والمراد بهذا الحديث أول الآيات التي تخرج عن المألوف والمعتاد، وليس أول ما يجري.
فالمقصود الأول الخروج عن المألوف والمعتاد، ثم بعد ذلك تتتابع الآيات التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بها.
يقول المؤلف رحمه الله: (ونؤمن بأشراط الساعة من خروج الدجال) (وهو شر غائب ينتظر) كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ فإنه أشد الفتن على بني آدم، ولذلك ما من نبي إلا أنذر قومه منه، والدجال رجل يبتلي الله سبحانه وتعالى به الناس، يدعي أول الأمر الصلاح، ثم النبوة، ثم الإلهية والربوبية، ويكذبه الله جل وعلا، وآيات كذبه منقولة معه؛ فإنه أعور والله جل وعلا ليس بأعور، ولو كان رب العالمين لدفع عن نفسه النقص، لكنه لا يملك أن يدفع عن نفسه النقص، فهو مربوب مخلوق نسأل الله أن يكفينا شر فتنته، لكن يمكنه الله من القدرة ما تحصل به الفتنة، ولكن هذا التمكين ليس دائماً بل هو زائل مضمحل؛ فإنه يظهر كذبه لكل مؤمن.
يقول: (ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام من السماء) أي: إنزال عيسى ابن مريم من السماء، كما جاء ذلك في قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} [الزخرف:٦١] أي: علم من أعلام الساعة، وذلك بنزوله في آخر الزمان، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنزول عيسى ابن مريم، وأنه ينزل ويحكم بشريعة النبي صلى الله عليه وسلم، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، فيكسر الصليب إشارة إلى إبطال ما اعتقدته النصارى واليهود في أنه قد قتل، ويقتل الخنزير إشارة إلى إبطال ما استباحه النصارى ونسبوه إليه؛ فإن الخنزير لم يبحه عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام، وهذا الفعل منه إيذان منه أنه قد انتهى كل دين غير دين الإسلام؛ ولذلك لا يقبل من أحد إلا الإسلام، ويضع الجزية، أي: لا يقبل الجزية.
يقول: (ونؤمن بطلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة من موضعها) .
طلوع الشمس من مغربها جاء في قوله تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} [الأنعام:١٥٨] ، والمشار إليه في هذه الآية خروج الشمس من مغربها، وأما الدابة ففي قوله تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ} [النمل:٨٢] ، وقد تواترت في ذلك الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم، وينبغي لأهل الإيمان أن يتحروا في مسائل أشراط الساعة، وألا يتعجلوا في إثبات ما جاءت به الأحاديث، أو في تنزيل ما جاءت به الأحاديث على الواقع؛ فإن هذه من الفتن التي صارت في الناس، وخاض فيها من لا علم له، فتجده يحدث بما صحت به الأحاديث من الأخبار على أعيان ووقائع وأحداث ومناطق، وهذا ليس بصحيح؛ لأن هذا يحتاج إلى علم وبصيرة وتأمل ونظر، وهذا في الغالب يفقده من يشتغلون بهذه الأمور.