[الأعمال بالخواتيم والسعادة والشقاوة بقدر الله عز وجل]
وقال رحمه الله:(والأعمال بالخواتيم) أي: الأعمال من حيث الثواب والعقاب، ومن حيث الفوز والنجاة، بما يحصل به الختم والنهاية (والأعمال بالخواتيم) أي: بما يختم للإنسان بها، وبما تنتهي عليه.
وقد جاء الحديث في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ففي حديث سهل بن سعد في الصحيحين أنه قال صلى الله عليه وسلم:(إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يرى الناس، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يرى الناس، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة، وإنما الأعمال بالخواتيم) .
فدل ذلك على أن العمل بالخاتمة وما يختم للإنسان به، فالعبرة بالخواتيم والنهايات لا بالبدايات، فقد يكون الإنسان في بدايته كافراً معانداً لرب العالمين، ثم يختم له بالخير.
يقول رحمه الله:(والسعيد من سعد بقضاء الله، والشقي من شقي بقضاء الله) أي: أن السعادة والشقاء بقدر، فكل لا يخرج عن تقدير الله جل وعلا، فطاعة الطائع بقدر الله جل وعلا، ومعصية العاصي بقدر الله سبحانه وتعالى، فإنه سبحانه وتعالى لا يكون في ملكه إلا ما يشاء.
فالسعيد إنما يسعد بما سبق من قضاء الله، والشقي إنما يشقى بما سبق من قضاء الله عز وجل، فقضاء الله وقدره محيط بالعباد أهل السعادة وأهل الشقاء على حد سواء لا فرق بين هذا وهذا.
ثم بعد هذا قال رحمه الله في جواب إشكال قد يلقيه الشيطان في قلب الإنسان، فيقول: إذا كان الأمر كذلك ففيم العمل؟ فالجواب ما أجاب به النبي صلى الله عليه وسلم:(اعملوا فكل ميسر لما خلق) .
والجواب أيضاً فيما قاله المؤلف رحمه الله: [وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه، لم يطلع على ذلك ملك مقرب، ولا نبي مرسل، والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان، وسلم الحرمان، ودرجة الطغيان، فالحذر كل الحذر من ذلك نظراً وفكراً ووسوسة، فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهم عن مرامه كما قال تعالى في كتابه:{لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}[الأنبياء:٢٣] فمن سأل: لم فعل فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين.
فهذا جملة ما يحتاج إليه من هو منور قلبه من أولياء الله تعالى، وهي درجة الراسخين في العلم] .