[اعتقاد أن الله اتصف بصفات الخالق والبارئ وغيرها من صفات الكمال قبل أن يخلق الخلق ويحدثهم]
قال المؤلف رحمه الله: [مازال بصفاته قديماً قبل خلقه] يعني: قبل أن يخلق خلقه [لم يزدد بكونهم شيئاً] أي: بخلقهم وإيجادهم ورزقهم وإمدادهم وإحيائهم وإماتتهم، لم يزدد بهذه الأفعال وهذه الأوصاف شيئاً [لم يكن قبلهم من صفته] ، بل هو سبحانه وتعالى الموصوف بصفات الكمال أزلاً قبل كل شيء.
الآن فرغ المؤلف من تقرير أن الله جل وعلا متصف بهذه الصفات أزلاً، ومعنى الأزل: الذي لا أول له، قال: [وكما كان بصفاته أزلياً] أي: أنه لا أول لصفاته، [كذلك لا يزال عليها أبدياً] أي: أنه لا آخر لهذه الصفات، بل هي ممتدة؛ لأنه الآخر، وهذا الوصف للذات، فهو الآخر جل وعلا ليس بعده شيء.
ثم قال في تقرير المعنى وتوضيحه وتبيينه: [ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم الخالق] ، بل هو الخالق قبل أن يخلق الخلق جل وعلا [ولا بإحداث البرية استفاد اسم الباري] ، والبرية: هم الخلق، وهو جل وعلا الموصوف والمتسمي بهذا الاسم قبل أن يخلق الخلق سبحانه وتعالى: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ} [الحشر:٢٤] أزلاً وأبداً، فليس بعد أن خلق البرية وأوجدهم استفاد اسم الباري، والخالق والباري اسمان من أسماء الله عز وجل دل عليهما الكتاب في قوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ} [الحشر:٢٤] والفرق بين الخالق والبارئ: أن الخالق الموجد، والبارئ المبدع، وقيل في الفرق: إن الخالق هو المقدر، والبارئ هو الموجد لهذا التقدير، ومعناهما متقارب.
ثم قال: [له معنى الربوبية ولا مربوب] أي: أن الله سبحانه وتعالى متصف بأنه الرب ولا مربوب؛ لأنه بصفاته قديم، وهو الأول الذي ليس قبله شيء، [ومعنى الخالق ولا مخلوق] أي: أنه جل وعلا موصوف بأنه الخالق ولا مخلوق وهذا تكرار لقوله [ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم الخالق] .
ثم قال في الاستدلال لصحة هذا التقرير: [وكما أنه محيي الموتى بعدما أحيا؛ استحق هذا الاسم قبل أحيائهم، كذلك استحق اسم الخالق قبل إنشائهم] .
يقول المؤلف رحمه الله في الاستدلال لكونه سبحانه وتعالى بصفاته قديماً قبل أن يخلق الخلق: كما أنه محيي الموتى، والموتى لم يحصل لهم بعد الإحياء العام، وإنما يكون بعد قيام الساعة {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:٦] ، فإذا نفخ في الصور بعث الله عز وجل الخلق وأحياهم، هل هذا موجود أو ليس بموجود؟ لم يوجد بعد، ومع هذا يوصف الله جل وعلا بأنه محيي الموتى.
يقول المؤلف رحمه الله: [فكما أنه محيي الموتى بعدما أحيا] يعني: كما أنه متحقق بهذا الوصف بعد إحيائه يوم القيامة لخلقه وهو استحق هذا الاسم قبل إحيائهم يعني: استحقه في الدنيا قبل أن يحصل الأحياء؛ كذلك استحق اسم الخالق قبل إنشائهم، وهذا دليل واضح يبين بأن الله جل وعلا موصوف بصفات الكمال أزلاً، وأنه سبحانه وتعالى لم يحدث له شيء من الصفات بعد أن لم يكن، والمقصود صفات الذات، وجنس صفات الفعل.
وفي هذا الموضع يبحث بعض العلماء مسألة تسلسل الحوادث، وهي مسألة لا خير في بحثها إلا على وجه الرد على أهل الشبه الذين يريدون إبطال ما دلت عليه النصوص من أن الله جل وعلا موصوف بصفات الكمال أزلاً وأبداً، والنظر في هذه المسألة لا يزيد به الإيمان ولا يزداد به العلم، وإنما اضطر إليه أهل السنة والجماعة في الرد على المبتدعة الذين تكلموا بهذه الأمور.
ولذلك ينبغي لطالب العلم -لاسيما المبتدئ- ألا يشتغل بهذه المسائل؛ لأنه مما يحصر عنه فكره، ويضيق عنه فهمه، وقد يورثه شبهاً لا ينفك منها، لكن ينبغي له أن يؤمن بأن الله هو الأول الآخر الظاهر الباطن، وأنه فعال لما يريد جل وعلا، وأنه موصوف بصفات الكمال أزلاً وأبداً، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
ثم إذا احتاج الرد على المبتدعة في شبهة شبة من الشبه أو قول من الأقوال فلا بأس، عند ذلك يطلب ويستعين بالله عز وجل وينظر في جواب هذه الشبه، أما أن يطلب ذلك ويقرأه ويصرف فيه الوقت وهو لم يُبتلى به فهذا من تفويت ما هو أهم من العلم؛ لأن العلم كثير والإنسان إذا اشتغل بفضول العلم وحواشيه صرفه ذلك عن أصوله ومقاصده.