القسم الثاني من الإرادة: الإرادة الكونية الخلقية القدرية، وهذا هو الذي يصدر عنه كل ما يقع في الكون، فالإرادة القدرية الكونية هي مشيئة الله جل وعلا التي عنها يصدر كل شيء، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وقول:(ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن) هذا هو الإرادة الكونية، فكل ما وقع في الكون من خير أو شر، من بر أو معصية، مما يحب الإنسان أو يكره، مما يحب الله ويكرهه، مما يرضاه ومما لا يرضاه، كالإيمان والكفر والطاعة والمعصية والاستقامة والغي كل هذا داخل في الإرادة الكونية.
عرفنا من هذا أن الإرادة الكونية تختلف عن الإرادة الشرعية في أنها لا تتعلق بالمحبة والرضا، الفرق الثاني: أن الإرادة الكونية لابد أن تقع، فما أراده الله كوناً لابد أن يقع ما فيه، لا محالة من وقوعه، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ما شاء وجد وما لم يشأ لم يوجد، هذا الذي يميز الإرادة الكونية عن الإرادة الشرعية.
واعلم أن هذا التفريق اليسير الذي دلت عليه النصوص من الكتاب والسنة انطمس على كثير من أهل الكلام؛ فلم يميزوا بين نوعي الإرادة، بل الإرادة عندهم شيء واحد، فلا فرق عندهم بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية، وهذا الانطماس في التفريق وعدم التمييز بين نوعي الإرادة أوقعهم في أنواع من الضلال فيما يتعلق بالقدر، وفيما يتعلق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأشياء كثيرة.