للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أهل الكبائر الموحدون لا يخلدون في النار]

قال رحمه الله: [وأهل الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في النار لا يخلدون] أي: لا يبقون فيها بقاء أبدياً، الخلود المنفي هنا هو خلود البقاء الذي لا خروج معه، واعلم أن الخلود نوعان: خلود بمعنى طول البقاء في النار، وهذا قد يكون لبعض أهل الكبائر من أهل الإسلام.

والقسم الثاني من الخلود: الخلود الذي لا خروج منه؛ فهو بقاء أبدي سرمدي لا ينقطع.

وهذا لا يكون إلا لأهل الكفر والشرك.

من الخلود الأول: خلود قاتل النفس؛ فإن الله سبحانه وتعالى توعده بالخلود فقال: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء:٩٣] ، فالخلود في هذه الآية هو الخلود الذي بمعنى طول المكث لا الخلود الذي لا خروج معه؛ فإن النصوص قد دلت على أن المسلم المؤمن الذي يقول: لا إله إلا الله مآله إلى الجنة مهما أذنب، فمن كان من أهل التوحيد والإخلاص ودخل النار، فلا بد أن يخرج كما سيأتي في الشفاعات.

قال: [إذا ماتوا وهم موحدون] ، وهذا شرط يخرج به أهل الشرك، فإن أهل الشرك في النار خالدون فيها أبداً لا يخرجون منها، بل هي موصدة عليهم أبد الآباد.

قال رحمه الله: [وإن لم يكونوا تائبين] ، يعني: وإن لم يتوبوا من هذه الكبائر فإنهم لا يخلدون في النار، بل غاية ما يكون أن يدخلهم الله جل وعلا هذه النار فيعاقبون بقدر ما عليهم من الذنوب ويطهرون؛ لأن دخول النار لأهل الكبائر هو تطهير لهم يطهرون به وينقون؛ فإذا نقوا من آثار الذنوب والمعاصي أخرجهم الله جل وعلا.

يقول: [وإن لم يكونوا تائبين بعد أن لقوا الله عارفين مؤمنين] ، والمقصود بالإيمان هنا: هو الإيمان الذي تقدم في قوله: [والإيمان هو الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وحلوه ومره] .

فهؤلاء حققوا التوحيد، لكن حصل منهم من الذنوب ما حصل به نقص هذا التوحيد، وإن كان أصله ثابتاً وباقياً، فلوجود هذا الأصل وبقائه يخرجهم الله عز وجل من النار.

يقول: [وهم في مشيئته وحكمه] ، يعني: إذا لم يتوبوا من ذنوبهم فهم في مشيئته وحكمه، إن شاء عاقبهم على ذنوبهم، وآخذهم بها، وإن شاء عفا عنهم وغفر لهم، كما قال الله جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:٤٨] .

قال رحمه الله: [إن شاء غفر لهم وعفا عنهم بفضله، كما ذكر عز وجل في كتابه: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:٤٨] ، وإن شاء عذبهم في النار بعدله] ، فهم بين عدله وفضله سبحانه وتعالى، {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا} [يونس:٤٤] ولكن لابد أن يعلم أنهم إلى الجنة صائرون مهما وقع عليهم من العذاب إذا كانوا من أهل التوحيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>