[الإيمان بكرامات الأولياء]
قال رحمه الله: [ونؤمن بما جاء من كراماتهم، وصح عن الثقات من رواياتهم] .
هذا أيضاً مما يتعلق بالأولياء، فنؤمن بما جاء من كراماتهم، أي: من كرامات الأولياء، الكرامات: جمع كرامة، والكرامة: هي كل خارق للعادة يجري على يد متق مؤمن.
فهي كل خارق للعادة مما يجريه الله على يد تقي مؤمن.
وقيدنا هذا بهذا حتى نخرج ما يكون من خوارق العادات التي تجري على أيدي السحرة والكهان والمشعوذين والمبطلين؛ فإنها ليست كرامات، إنما هي خوارق للعادات، لكنها لا يمكن أن توصف أو تسمى بالكرامات.
وكذلك نخرج ما يجريه الله على يد الرسل؛ فإن هذا لا يسمى كرامة، إنما هي آيات، وهي أعلى مما يجريه الله عز وجل على أيدي الأولياء من كرامات.
فقوله: (نؤمن بما جاء من كراماتهم) أي: بما صح من إثبات ذلك، ولا يلزم الإيمان بكل كرامة ثبتت لكل شخص؛ لأنه فرع عن ثبوت هذه الكرامة، وقد لا تثبت عنه، لكن نؤمن في الجملة بأن لهم كرامات يكرمهم الله سبحانه وتعالى بها، وهذه الكرامات تنقسم إلى أنواع، منها ما هو من جنس العلم، وهي كرامات العلوم، وهو ما يسمى بـ (المكاشفات) ، وذلك بأن يرى ما لا يراه غيره، أو يسمع ما لا يسمعه غيره، أو يفتح له في العلم ما لا يفتح لغيره، أو يوفق لدراسة صادقة لا يوفق لها غيره.
القسم الثاني من الكرامات ما هو من جنس القدرة، أي: ما يكون في القدرة، بأن يمكن مما لا يتمكن منه غيره، وهذا كثير جداً، والغالب في الكرامات هو من هذا النوع، وقد جرى للصحابة رضي الله عنهم والتابعين من هذا شيء كثير، وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله كثيراً من هذا في كتاب الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، ومن ذلك أيضاً القسم الثالث من أنواع الكرامات، وهو ما كان من جنس الاستغناء، فيستغني عن كل ما يحتاج إليه الإنسان عادة في المأكل والمشرب وغير ذلك، وهذا يندرج في الحقيقة في النوع الثاني.
فالكرامات هي كل خارق للعادة يجريه الله عز وجل على يد الولي، ومما يحصل به الفرق بين الكرامات وشعوذة المشعوذين، وباطل السحرة والكهنة والدجالين أنهما يفترقان في السبب والغاية، ففرق بين ما يجريه الله على أيدي أوليائه الصالحين، وبين ما يكون على أيدي الفسقة من السحرة والدجالين والكهان والمشعوذين، والفرق بينهما في السبب والغاية، فالسبب في الكرامة طاعة الله عز وجل وطاعة رسوله، والسبب فيما يجري على أيدي الكهان والسحرة والمشعوذين تكذيب الله ورسوله، ومعصية الله ورسوله، فبقدر ما يكون معهم من معصية الله ورسوله بقدر ما يكون معهم من الخارق للعادة.
وفي الغاية والمقصد المقصود من الكرامات إقامة الحجة أو دفع الحاجة، فمقصودها تحقيق العبودية لله عز وجل والطاعة والنصر للحق، ومقصودها إظهار دين الله وما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، أما ما يجري على أيدي الكهان والمشعوذين والسحرة فمقصوده وغرضه الباطل من الفساد في الأرض، وانتهاك الحرمات، وكسب الأموال.
فهذا أبرز ما يفرق بين كرامات الأولياء وخوارق السحرة والمشعوذين.
ومما يفرق به بين الصنفين أن كرامات الأولياء تزداد بذكر الله عز وجل وتقوى بذكر الله جل وعلا، أما ما يجري من الخوارق على أيدي السحرة والمشعوذين يبطل عند ذكر الله جل وعلا، فإذا ذكر الله عند هؤلاء المشعوذين بطل ما عندهم من الخارق للعادة.
ورابع الفروق أن الكرامات لا يمكن أن تعارض ولا أن يؤتى بأقوى منها، بخلاف ما يكون على أيدي السحرة والمشعوذين فمعارضته ممكنة بمثلها أو بما هو أقوى منها، فهذه أربعة فروق بين ما يكون من كرامات الأولياء وشعوذة المشعوذين.
فقوله: (نؤمن بما جاء من كراماتهم، وصح عن الثقات من رواياتهم) أي: رواياتهم في العلم.
أو رواياتهم في الكرامات.