للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الكلام على قوله تعالى: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: قال رحمه الله تعالى: [لا يحتاج إلى شيء، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١] ، خلق الخلق بعلمه، وقدر لهم أقداراً، وضرب لهم آجالاً، ولم يخف عليه شيء قبل أن يخلقهم، وعلم ما هم عاملون قبل أن يخلقهم، وأمرهم بطاعته، ونهاهم عن معصيته، وكل شيء يجري بتقديره ومشيئته، ومشيئته تنفذ، لا مشيئة للعباد إلا ما شاء لهم، فما شاء لهم كان وما لم يشأ لم يكن، يهدي من يشاء ويعصم ويعافي فضلاً، ويضل من يشاء ويخذل ويبتلي عدلاً، وكلهم يتقلبون في مشيئته بين فضله وعدله، وهو متعالٍ عن الأضداد والأنداد.

لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولا غالب لأمره.

آمنّا بذلك كله، وأيقنّا أن كلاً من عنده] .

قال المؤلف رحمه الله تعالى: ( {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١] ) هذه آية من كتاب الله عز وجل جعلها المؤلف رحمه الله ضمن ما قرره من عقيدة أهل السنة والجماعة الفرقة الناجية المنصورة، وقد تقدم الكلام على نفي المثلية عن الله جل وعلا في موضعين مما تقدم من كلام المؤلف رحمه الله في قوله: (لا شيء مثله) وفي قوله: (ولا يشبه الأنام) ، ثم قال: ( {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١] ) ولعل المؤلف رحمه الله أراد بهذه الآية بيان إثبات الصفات، أو لعل المؤلف رحمه الله أراد بهذه الآية الرد على من ضل في باب الأسماء والصفات، وليس مقصوده تقرير نفي المثلية؛ لأن نفي المثلية تقدم في قوله: (لا شيء مثله) ، (ولا يشبه الأنام) ، لكنه ساق هذا ليرد على طائفتين ضالتين وفريقين منحرفين عن صراط الله المستقيم، وعن مذهب أهل السنة والجماعة وعقيدة الفرقة الناجية المنصورة؛ وهم أهل التعطيل وأهل التمثيل، فإن هذه الآية ردت على جميع البدع الواقعة في باب أسماء الله وصفاته، وعلى اختصار هذه الآية ووجازة لفظها وقلة كلماتها إلا أنها سدت أبواب الضلال فيما يتعلق بالأسماء والصفات، قال الله جل وعلا: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١] وهذا رد على أهل التمثيل الذين يثبتون لله عز وجل مثيلاً ونظيراً وسمياً وكفؤاً في أسمائه أو صفاته أو أفعاله أو ما يجب له.

وفي قوله تعالى: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١] رد على أهل التعطيل الذين عطلوا صفات الله جل وعلا، فأهل التعطيل عطلوا الله عن صفاته وأخلوه منها إما على وجه الكلية، أو تعطيلاً جزئياً.

والمقصود: أن هذه الآية ردت على هاتين الفرقتين.

ولو قلنا: ما هي أبواب الضلال في أسماء الله وصفاته؟ فإن الجواب على ذلك: إن جميع البدع في هذا الباب ترجع إلى بدعتين: بدعة أهل التمثيل، وبدعة أهل التعطيل، والممثلة والمعطلة يصلون إلى التمثيل والتعطيل من طريقين: أما الممثلة فيصلون إلى التمثيل عن طريق التكييف، فيطلبون كيفية ما أخبر الله سبحانه وتعالى به عن صفاته؛ ولذلك كان من عقيدة أهل السنة والجماعة إثبات الصفات من غير تكييف ولا تمثيل، فنفي التمثيل هو نفي الغاية والمنتهى والمقصد، ونفي التكييف هو نفي للطريقة والواسطة التي يتوصل بها المبتدعة إلى التمثيل.

وكذلك من عقيدتهم: أنهم لا يعطلون الله جل وعلا عن صفاته بل يثبتون له ما أثبته لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من غير تعطيل، ومن لوازم نفي التعطيل نفي الطريق الموصل إليه، وهو التحريف الذي يسميه أهله تأويلاً؛ ولذلك كان من العقيدة السلفية عقيدة أهل السنة والجماعة إثبات الصفات من غير تحريف ولا تعطيل، فنفي التحريف هو نفي للطريق الموصل إلى التعطيل، ونفي التعطيل هو نفي للغاية والمقصد الذي ينتهي إليه طريق هؤلاء وهم القسم الثاني من أقسام المبتدعة في باب أسماء الله وصفاته {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١] .

ولما كانت هذه الآية متضمنة لهذين المعنيين من إثبات كمال الصفات، ونفي مماثله المخلوقين؛ ضاقت بها صدور نفاة الصفات، حتى إن أحدهم اقترح على المأمون أن يبدل قوله تعالى: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١] بقوله: (وهو العزيز الحكيم) فقال له: أزل من ستار الكعبة قوله: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١] فاكتب: (ليس كمثله شيء وهو العزيز الحكيم) حتى ينفي إثبات هاتين الصفتين اللتين يظن أن إثباتهما يقتضي إثبات المماثلة للمخلوق، تعالى الله عما يقول علواً كبيراً، فالله جل وعلا كلامه حق: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:٤٢] ، بل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١] وهذا فيه نفي المماثلة، {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١] وهذا فيه إثبات كمال الصفات للرب جل وعلا.

<<  <  ج: ص:  >  >>