ثم قال رحمه الله:[قديم بلا ابتداء، دائم بلا انتهاء] .
(قديم بلا ابتداء) أي: أنه جل وعلا لا بداية له، ولا أول له، فهو الأول الذي ليس قبله شيء.
(دائم بلا انتهاء) : هذا فيه الخبر عن آخريته سبحانه وتعالى، وأنه ليس بعده شيء، وهذان الوصفان في كلام المؤلف رحمه الله مأخوذان من قوله تعالى:{هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ}[الحديد:٣] وهذان الاسمان للرب جل وعلا اللذان يتضمنان إثبات وصف الأولية والآخرية، ويفيدان معنى واحداً للرب جل وعلا، وهو الإحاطة الزمنية، فالله جل وعلا قد أحاط بكل شيء زمناً، فهو الأول الذي ليس قبله شيء، وهو الآخر الذي ليس بعده شيء جل وعلا، ولا ينافي هذا أن أهل الجنة يقال لهم:(خلود بلا موت) فإن خلودهم إنما هو بإعطاء الله جل وعلا وهبته ومنته، فليس خلودهم ذاتياً، بخلاف آخريته جل وعلا وبقائه، فإنه سبحانه وتعالى وصف له ذاتي ليس مكتسباً من شيء، وهذا معنى قول الله جل وعلا:{هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ}[الحديد:٣] ، وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك حيث قال:(أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء) .
ثم اعلم أن قوله:(قديم بلا ابتداء) علق عليه بعض الشراح فقالوا: إنه لا يصح تسمية الله بالقديم، وإن ذكر القديم إنما هو على وجه الوصف، والحقيقة أن الكلام على ظاهره ليس في أسماء الله عز وجل القديم، ولكن كلام المؤلف ليس فيه ما نحتاج بسببه إلى هذا التحليل؛ لأنه لم يقل القديم، وإنما قال:(قديم بلا ابتداء) على وجه الخبر والتفسير لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الأول) وقول الله عز وجل: {هُوَ الأَوَّلُ}[الحديد:٣] فهو ترجمة وبيان لقوله صلى الله عليه وسلم: (الأول الذي ليس قبلك شيء) .
وأما لفظ (القديم) فإنها عند أهل الكلام تقابل ما دل عليه من الكتاب والسنة من اسمه جل وعلا (الأول) ، فإن القديم عندهم هو الأول، ولذلك عندهم القديم: الذي لا بداية له، ويسمونه القدم الأزلي.
والتعبير الذي في الكتاب والسنة أفضل، وما تكلم به الله جل وعلا وما جاء في السنة أكمل وأحسن فيما يتعلق بالخبر عنه، لكن من القواعد التي ينبغي لنا أن نفهمها فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته: أن الأسماء توقيفية، والصفات كذلك توقيفية إلا أنها أوسع من الأسماء.
ثم بعد ذلك تأتي المرتبة الثالثة، وهي: ما يسمى بالإخبار عن الله سبحانه وتعالى، فالإخبار عنه جل وعلا أوسع من الصفات، فتخبر عنه فيما لم يأت ذكره في الكتاب والسنة، فتقول: يصنع الله كذا.
وهذا لا بأس به؛ لأن الأخبار أمرها واسع، فتقول: هو قديم جل وعلا.
وتقصد بالقديم: أنه المتقدم على غيره الذي ليس قبله شيء، لكن فيما يتعلق بالأسماء وبالصفات لابد من النص الدال على الاسم والصفات.
فقوله:(قديم بلا ابتداء) هذا معنى ما ذكره الله عز وجل في اسمه الأول، كذلك:(دائم بلا انتهاء) أي: أنه لا نهاية له فهو الآخر جل وعلا الذي ليس بعده شيء.