قال:[والمؤمنون كلهم أولياء الرحمن] لا شك أن أهل الإيمان أولياء الرحمان، لأن الله جل وعلا قال في ذكر الولاية:{أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}[يونس:٦٢-٦٣] .
فهؤلاء هم أولياء الله، فقول المؤلف:[والمؤمنون كلهم أولياء الرحمن] لا إشكال في هذا، ولكنهم في الولاية مختلفون، والاختلاف في الولاية باختلاف تحقيق الإيمان والتقوى، فبقدر ما يحقق الإنسان من الإيمان والتقوى؛ بقدر ما يفوز بولاية الله عز وجل، والولاية أصلها دائر على القرب، والمعنى: أنه كلما ازداد العبد طاعة لله جل وعلا كلما ازداد منه قرباً، كما قال الله جل وعلا في الحديث القدسي:(ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه؛ فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن استعاذني لأعيذنه، ولئن استنصرني لأنصرنه، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته، ولابد له منه) ، وهذا يدل على عظيم ما يبلغه المؤمن من الدرجة إذا حقق القيام بالفرائض وتقرب إلى الله عز وجل بالنوافل، فالله جل وعلا يكون معه، ويكون نصيره، (فبي يبصر، وبي يسمع، وبي يمشي، وبي يبطش) أي: أنه يمشي على نور من الله جل وعلا في كل فعل وترك، ويبلغ من المحبة، أن الرب جل وعلا يتردد في قضاء ما يسوء العبد ويكرهه وهو الموت، ولكن لما كان لا بد له منه فإنه لا محيص عنه، فالله لا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه.
قال رحمه الله:[والمؤمنون كلهم أولياء الرحمن، وأكرمهم عند الله أطوعهم -أي: أكثرهم طاعة- وأتبعهم للقرآن] .
ولا شك أن أتبع الناس للقرآن هو أقرب إلى الرب جل وعلا، وأحقهم ولاية، وأكرمهم عند الله جل وعلا؛ ولذلك لما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خلقه القرآن كان أتقى الناس لرب العالمين، وأكرم الخلق على الله جل وعلا، ومعنى أن القرآن خلق النبي صلى الله عليه وسلم أي: أنه يعمل به، وأنه يمتثله ويترجمه ويعمل بما جاء فيه، فيجب على المؤمن إذا أراد الكرامة أن يسلك هذا السبيل، وهو طاعة الله عز وجل واتباع القرآن؛ فإن أهل القرآن هم أهل الله وخاصته.
بعد هذا ذكر المؤلف رحمه الله الإيمان المجمل وأصول الإيمان.