[اعتقاد أن الله مميت لخلقه دون خشية منازعتهم له، باعث لهم بعد ذلك دون مشقة]
ثم قال:[مميت بلا مخافة] لما ذكر الخلق جل وعلا ذكر الإماتة، وذلك أن من تمام الإيمان بالله عز وجل أن يؤمن العبد بأنه المحيي، المميت، الخالق، الباعث.
قال رحمه الله:(مميت بلا مخافة) أي: أنه سبحانه وتعالى قضى بالموت على كل حي، وأذل به قوة الأقوياء جل وعلا، فإنه سبحانه وتعالى كتب الموت على كل خلقه، فلا أحد من خلقه من الناس سالم من الموت، بل قد جعل الله جل وعلا الموت لكل نفس:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}[آل عمران:١٨٥] ، لكن هذا الموت ليس عن خوف من منازعة المخلوق بل هو من تمام قدرته وقوته، واقتداره على خلقه؛ لأن الإنسان قد يميت شخصاً مخافة أن ينازعه في الملك، أو أن ينزع منه شيئاً مما هو له من الصفات أو من الملك أو من غير ذلك، فالله جل وعلا مميت بلا مخافة، وهذه الصفات لله عز وجل بعضها يستفاد من الاسم كما دل عليه الكتاب والسنة في مثل الخالق، فقد جاء هذا الاسم لله عز وجل، وكذلك الرازق {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}[الذاريات:٥٨] ، أما المميت فإنه لم يثبت تسمية الله تعالى به في الكتاب ولا في السنة، فليس من أسمائه سبحانه وتعالى، وجاء ذلك في حديث أبي هريرة الذي فيه ذكر الأسماء لكنه لم يثبت، والحديث معلوم أنه لا يصح عند أئمة الحديث والعلماء بهذا الشأن.
يقول رحمه الله:[باعث بلا مشقة] ، بعد أن ذكر الإماتة ذكر البعث؛ وذلك أنه من تمام الإيمان بربوبية الله جل وعلا الإيمان بأنه باعث يبعث الخلق، والبعث: هو الإحياء بعد الإماتة، وهذا عام لكل من فيه حياة، فإن كل من فيه حياة يبعثه الله جل وعلا، ويحشره يوم القيامة ويبعثه بلا مشقة، كما قال الله جل وعلا:{قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ}[يس:٧٩] ، وكما قال سبحانه وتعالى:{مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ}[لقمان:٢٨] ، وهذا يدل على سهولته ويسره على رب العالمين، وأنه جل وعلا لا مشقة عليه في الخلق، قال سبحانه وتعالى:{وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ}[الروم:٢٧] ، فلا مشقة في بعث الخلق كلهم، إنسهم وجنهم، دوابهم وطيورهم، ما في البحر وما في البر، كلهم يبعثهم الله عز وجل، ثم يحشرهم يوم القيامة، كل أمة تأتي في موقف عظيم مهول تشيب له رءوس الولدان.