ثم قال رحمه الله:(والقبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار) ، هذا فيه انقسام الناس في القبور إلى منعم ومعذب، القبر هو مدفن الموتى، والروضة تطلق في لغة العرب على ما كثر ماؤه، وحسنت خضرته واتسع مكانه، فالمكان الفسيح المتسع الذي يكثر ماؤه وخضرته يسمى في كلام العرب روضة، والقبر لا إشكال أنه منزل من منازل الآخرة، يكون فيه من التنعيم ما يصدق عليه أنه روضة من رياض الجنة؛ لأنه إذا مات الإنسان ودفن يرى مقعده من الجنة إن كان من أهل الجنة، ويرى مقعده من النار إن كان من أهل النار؛ فلذلك ما يكون في القبر من التنعيم هو شيء مما وعده أهل الإيمان؛ لأنه يعرض له مكانه من الجنة، وليس في هذا أن الجنة تكون في القبر، لا، لكنه يعرض له ما يكون في الجنة من النعيم، ثم إن الروح ليست ملازمة للبدن، بل هي في الجنة إن كانت من أرواح المؤمنين، وفي سجين إن كانت من أرواح أهل الجحيم، أعوذ بالله من الخسران! وقوله:(أو حفرة من حفر النار) النار فيها حفر؛ ولذلك قال الله جل وعلا:{وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ}[آل عمران:١٠٣] ، فالنار فيها حفر، وهذا يدل على أنها ليست مستوية، بل فيها من التنكيل والتنغيص وسوء المآل ما الله به عليم، فإن الطريق في الدنيا الذي فيه حفر يعافه الإنسان ويتجنبه لما فيه من المضار والمشاق، فكيف إذا كانت هذه الحفر تلتهب على أهلها؟ نعوذ بالله من الخسران! والإنسان إذا نظر إلى ما أخبر الله ورسوله مما يكون بعد الموت من النعيم والعذاب؛ حمله ذلك على الاستكثار من الطاعات، والتخفف من السيئات؛ لأنه لابد أن يرد هذا المورد، فهذا المورد كل سيرده، ولكن نسأل الله أن يكون وروداً مستقيماً، وصدوراً إلى جنة عدن.