ثم بعد هذا التقرير قال رحمه الله:(وكذلك أفعالهم فيما علم منهم أن يفعلوه) .
أفعالهم كذلك على هذه الحال، فإن الله جل وعلا قدر الأشياء وقدر أسبابها، فقدر أهل الجنة وقدر أعمالهم، وقدر أهل النار وقدر أعمالهم، وعلم أهل الجنة والنار وعلم أعمالهم، فالجميع قد أحاط به علم الله جل وعلا.
ثم قال رحمه الله تعالى:(وكل ميسر لما خلق له من سعادة أو شقاء) لذلك قال الله جل وعلا: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}[الليل:٥-١٠] فكل أحد من أهل السعادة ومن أهل الشقاء ميسر لما خلق له، أي: خلق ليكون إما من أهل الجنة أو من أهل النار، وكل ميسر لما خلق له.
وهذا ليس فيه إلغاء اختيارهم كما سيأتي، بل فيه الإخبار بأن الله علم بما يكون عليه الخلق في المآل، وعلم الأعمال التي تفضي إلى ذلك المآل، وأنه ييسر كل أحدٍ إلى ما علم في سابق علمه من كونه من أهل السعادة أو من أهل الشقاء من أهل الجنة أو من أهل النار.
وقوله رحمه الله:(وكل ميسر لما خلق له) هذا من أفضل الكلام؛ لأنه مأخوذ من قول النبي صلى الله عليه وسلم:(اعملوا فكل ميسر لما خلق له) وهو أفضل من قول القائل: الإنسان مسير أو مخير، فالإنسان لا شك أنه مسير في بعض ما قدر له لكن هذا التسيير لا يلغي اختياره.
ولفظ المؤلف رحمه الله أفضل من لفظ (مسير) فإنه يوحي بأن الإنسان لا اختيار له بالكلية، وهذا مخالف لما دلت النصوص من إثبات المشيئة والاختيار للإنسان، كما قال الله جل وعلا:{وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}[الإنسان:٣٠] فأثبت للعبد مشيئة، لكن هذه المشيئة لا تخرج عن مشيئة الرب جل وعلا.