للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذيل ومن داناهم من مضر، وأقاموا على قبره أياما، وتحالفوا ألا يدخلوا مكة إلا حفاة، فدخلوا على عبد مناف بن عبد المطلب، وهو أبو طالب [١] يعزونه، ولم يكن له إذ ذاك ولد أسنّ منه فتكلمت هذيل فقالوا: يا أبا طالب:

هدمتنا مصيبتك، وهدّتنا رزيّتك، فخطب لعمرك جسيم، ومصاب عظيم، مات ربيع الناس، ومعوّذ الناس [٢] ، ذو الوجه الأغر، ملك فقدر، وولد فأكثر، فعظّم الله أجرك، وجبر كسرك، فأنت أبا طالب. خير خلف من أكرم سلف.

ثم تكلمت بنو أسد فقالوا: يا أبا طالب، علينا بعقد أبي الحارث ساقي الحرم، ومعلم الكرم، عاش فحمد، ومات ففقد، مصيبته عظيمة: [٥٥ ظ] ورزيّته جسيمة وأنت وارث الجود، ومعدن الوفود، ولا تجري الأسود إلا مع الأسود.

ثم تكلمت غطفان فقالوا: أبا طالب، وترنا الزمان [٣] ، واجتاحنا الحدثان، [٤] ، بالأغرّ الأبلج [٥] ، والملك المتوجّ، علن الجود إذا علن، وفقد الجود إذا هلك، ولنعم الثّمرة أنت من تلك الشجرة.

ثم تكلمت هوازن فقالوا: يا أبا طالب، موت أبي الحارث خطب جليل ثقيل، كان شفيعا لمن شفع، عزّا لمن شسع، لا تخمد ناره، ولا يخاف جاره، وأنت بعده تمنع فقده، وتشد عقده.

ثم تكلم أبو عفير، فقال: أبا طالب، أصبحت رأس الحسب، وسيد


[١] أبو طالب: عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم القرشي، والد علي رضي الله عنه، وعم النبي صلى الله عليه وسلم، وكافله ومربيه وناصره، كان من رؤساء بن هاشم والخطباء العقلاء، وله تجارة سائر قريش، توفي سنة ٣ ق هـ/ ٦٢٠ م.
(طبقات ابن سعد ١/٧٥، ابن الأثير ٢/٣٤، تاريخ الخميس ١/٢٩٩) .
[٢] المعوذ: الذي يستجير به الناس، ويلتجئون إليه.
[٣] وترنا الزمان: أصابنا بمكروه
[٤] الحدثان: الليل والنهار
[٥] الأغر: المشهور والمبارك، النضر: المسرور الواضح.

<<  <   >  >>