للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عسفن بنا مجهول بيد ترى بها ... ترابا يسدّى بالرياح وينسج

وعاد الفتى عند النزول كأنّه ... إذا ما مشى من عادة الرجل أعرج

[نسخه رقعة محمد بن علي بن غرس الموصلي:]

فارقت حضرة مولاي الشيخ أطال الله بقاءه، وأدام تمكينه، وحرس نعماه، مثقل الظهر بحمد أياديه، ثمل النفس بكرم أخلاقه، مخدوع البصيرة بفائض أنعامه [٢٧ و] ، قد استفزني تطوّله، فاستزلّني عن طبعي و؟؟ عدك بي عن مذهبي، فاشتملت ثوب عجب بنفسي، لم تكن لي عادة بمثله، ولا كنت أراها قبل ذلك من أهله لتلقيه أدام الله علّوّه، ما أشدته على ضعفه ورداءته، وخجلي من إنشاد مثله بحضرته بالقبول والإحماد، اللذين خيّلا لي أنه من المرضيّ المستجاد، إذا كان أدام الله حراسته واحد عصره، وقريع دهره، وكان قدره، يجلّ عن أن يداجى، وفضله يرتفع عن أن يحابى، على أنني لولا طاعة أمره في ذلك، لما قدمت عليه، ولا هممت به، ولا خففت إليه، ولكن أمرا لم يجز لي خلافه، وإن كان عالاني [١] على مركب صعب، أسكرتني فيه خمرة خلائقه المعطورة، واستهوتني أخذة لفظاته المعسولة، فسلكت غير الطريق، وأخذت برأي غير زنيق [٢] ، حتى إذا وقعت من طيرة [٣] الحيرة، وأفقت من وسن الغفلة، تأملت ما كنت أنشدته بعين المفتقد، ولحظته بطرف المنتقد، فانقلبت المسرّة وجلا، واستحال العجب خجلا، ورجعت نفسي بمضّ العذل [٤] ، فهربت منه إلى اللياذ بالجذل، وكان في أثناء جوابها [٥] ما دلّ على خطئي وصوابه، وهو أن قالت: سئلت فاستنزلتك الهيبة فاعترفت، ثم أمرت فعادتك الطاعة، فاستجب وأعطيت ما لا يستحقه من الإحماد فقبلت، ثم


[١] عالاني: رفعني، وعالى الشيء وبه: صعده.
[٢] رأي غير زنبق: غير محكم، والزنبق: الرصين المحكم. (القاموس: زنق) .
[٣] الطيرة: ما يتشاءم منه، أو يتفاءل به.
[٤] ممض العذل: اللوم الشديد.
[٥] جوابها: الهاء تعود إلى (نفسي) في قوله: ورجعت نفسي.

<<  <   >  >>