للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من بعد ما يأكل أمثاله ... وما له عرض ولا طول

فانّ معنى هذين البيتين كأنه حديث، لا كأنه شعر.

[[مباراة عجيبة بين رومي وفارسي]]

وأصل قولهما في الفارسية أنّ كسرى وأحسبه أبا شيرويه، كان قد بعث إليه ملك الروم برومي جسيم طويل، وقال: إن كان في ملكك من يؤاكل هذا الرومي أو يشاربه أو يناومه، أقررت بعظيم سلطانك، وإلا أقررت بعظيم سلطاني، فلم يجد كسرى من يفعل ذلك بعد أن يئس، إلا ملاحا نصرانيا قصيرا دميما يسمّى (قنّى) ، فقال: أنا أواكله وأشاربه وأناومه، وإن لم أفعل فليقتلني الملك، فجمع بينه وبين الرومي، فقدّم إلى الرومي كبش مسلوخ، فجعل يكبّب له ويأكل حتى أتى عليه، وقدّم إلى قنّى كبشان مسلوخان، فأتى عليهما، بعد أن طبخ له أحدهما في قدر، وثرد له فيها خمسون رغيفا، فأذعن له الرومي بالأكل، ثم أتي الرومي بدنّ، فجعل يشرب بخماسيّة معه حتى أتى عليه، ثم أتي قنّى بالشراب فأتى على دنّين، فأذعن له الرومي بالشرب، ثم قاما ليناما، فقال قنّى: ادخلوا لنا إلى البيت [١٢٧ ظ] لحافا وكساء، فقال الرومي: وما تصنع بذلك ونحن بالصيف؟ قال: إذا هجم الشتاء علينا كان عندنا دثار معدّ، فأذعن له الرومي بالنوم، فأقطعه كسرى الموضع الذي يعرف اليوم ب (دير قنّى) [١] ، وأجازه وكساه، وقيل فيه الشعر المقدم قبله، فنقله ابن المقفع إلى العربية.

وقد يذكر الشىء بالشىء إذا أشبهه، كان القاضي أبو عبد الله حسين بن علي بن النعمان، وهو المقتول، ينشد لأبيه علي بن النعمان [٢] ، بيتين يستحقان أن يذكرا، وهما: [البسيط]


[١] دير قنّى: ويعرف بدير مرماري السليخ، قال الشابشتي: هو على ستة عشر فرسخا من بغداد، منحدرا بين النعمانية، وهو في الجانب الشرقي معدود في أعمال النهروان، وبينه وبين دجلة ميل. (ياقوت: دير قنى)
[٢] علي بن النعمان: بن محمد بن حيون أبو الحسن، من قضاة مصر كان فقيها عادلا عالما بالأدب، وافر الحرمة عند الفاطميين، له شعر جيد، قدم مع (المعز) من-

<<  <   >  >>