للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

طائفا به للتوديع حين خفّ أهله عند [٩٤ و] الهاجرة، وقد انتعل كلّ شيء ظلّه، حتى رأى غزالا هبط من أعلى أبي قبيس [١] ، ودخل من باب إبراهيم عليه السلام، وطاف بالبيت سبعا، ثم سما إلى الحجر الأسود يرومه بأظلافه، وهو لا يكاد يبلغه، فاشتمله ثم رجع على أدراجه، صاعدا إلى أبي قبيس، فقال لي: يا أبا القاسم، يستجير به الوحش، وأرحل أنا عنه!! كلا، والذي عظّمه وكرّمه، فأقام مجاورا إلى أن قضى نحبه.

ولو لم يكن لهذا البيت إلا أنه بلد لقاح لم يملكه أحد على وجه الأرض، ولم تطل عليه يد، ولم يزل مضافا إلى الله تعالى، فيقال: بيت الله، وحرم الله، وكعبة الله، ويدعى سكانه جيرة الله، وأهله أهل الله، لكان ناهيك به فضلا، وحسبك به فخرا ونبلا، ثم إن العرب كانت تنتمي إليه، وتسمي أولادها به، تنويها بهم، وتفخيما لهم، وكان عثمان بن عامر أبو قحافة [٢] ، سمّى ولده في الجاهلية عبد الكعبة، حتى أتى الله تبارك وتعالى بالإسلام، فسمّاه النبي صلى الله عليه عبد الله، وكانت لعبد المطلب عدّة كنى، وكان أشرفها عندهم (أبو البطحاء) ، يرون الانتماء له إلى ملك الأباطح منقبة لا توازيها المناقب، ونسبا لا تدانيه المناسب، وكم من مولدي الإسلام يسمّى بالمكّي والمدني والحجاج والحاجي.

حدثنا المروزي، من حاج خراسان، عن فقيه ذكره، قال: رأيت في المرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم، مقبلا [٩٤ ظ] في أصحابه، فقلت:

يا رسول الله، هل يقبل منّا حجّنا؟ فقال: كيف لا يقبل وأنا معكم، أو فيكم الشكّ مني؟


[١] أبو قبيس: جبل مشرف على مسجد مكة، وجهه إلى قعيقعان، ومكة بينهما، أبو قبيس من شرقيها، وقعيقعان من غربيها. (ياقوت: أبو قبيس)
[٢] أبو قحافة: عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب التيمي القرشي والد أبي بكر الصديق، كان من سادات قريش في الجاهلية أسلم يوم فتح مكة، وتوفي ولده أبو بكر قبله، كانت وفاة أبي قحافة سنة ١٤ هـ (الإصابة ت ٥٤٤٤، نكت الهميان ١٩٩) .

<<  <   >  >>