للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولج، وفي أي واد هبط، وبأيّة أرض سقط؟ لم يدر إلا أنه في الجملة عمل ما عمله الجمهور تقليدا.

وإذ قد أتينا على شرح ما بلغته المشاهدة، وأدركه العيان من فضائل البيت الحرام، فلنبدأ بذكر الشوق ودواعيه، والودّ وتمكن مراسيه، وأقول: أما الودّ فمتزايد كتزايد فضلك، ونام كنمي [١] محاسنك، ومتضاعف كتضاعف أياديك: [الطويل] تمرّ به الأيام تسحب ذيلها فتبلى به الأيام وهو جديد [٩٨ ظ] وأما الشوق فمتوقّد في أحشائي كما توقّدت هممك، وفاش في جوانحي كما فشت نعمك، ولئن فرّقت بيننا الأماكن والمنازل، لقد جمعتنا الضرائب [٢] والشمائل، ولئن تناءت بنا الأشباح، لقد تآلفت منا الأرواح.

حدثني أبو علي محمد بن الحسين الحاتمي، قال: حدثنا أبو عمر الزاهد محمد بن عبد الواحد على رغم أنف الجاحد [٣] ، قال: لما خلع جعفر المقتدر [٤] ، وبويع لعبد الله بن المعتز [٥] ، وكانت خلافته يوما واحدا، ثم


[١] نما ينمو نموا: زار، ونمى ينمي نماء ونميا ونمية: ارتفع (القاموس: نمو، نمي)
[٢] الضرائب: جمع الضريبة، الطبيعة والسجية.
[٣] في حاشية الأصل: (هكذا كان يقول رحمه الله) .
[٤] المقتدر: جعفر بن أحمد بن طلحة، المقتدر بالله ابن المعتضد ابن الموفق، بويع بالخلافة بعد وفاة أخيه المكتفي فاستصغره الناس فخلعوه بعد سنة من خلافته، ونصبوا عبد الله بن المعتز، ثم قتلوا ابن المعتز، وأعادوا المقتدر بعد يومين، فطالت أيامه وكثرت الفتن، كان ضعيفا مبذرا، استولى على الملك في عهده خدمه ونساؤه وخاصته، قتل سنة ٣٢٠ هـ. (ابن الأثير ٨/٣- ٧٥، النجوم الزاهرة ٣/٢٣٣، تاريخ بغداد ٧/٢١٣)
[٥] عبد الله بن المعتز: عبد الله بن محمد المعتز بالله ابن المتوكل ابن المعتصم ابن الرشيد العباسي، الشاعر المبدع خليفة يوم وليلة، ولد ببغداد وأولع بالأدب، صنف كتبا منها: (البديع) ، و (الآداب) ، و (فصول التماثيل) ، و (طبقات الشعراء) ، وغيرها، آلت الخلافة في أيامه إلى المقتدر، واستصغره القواد فخلعوه ونصبوا ابن المعتز، فأقام يوما وليلة، ثم وثب عليه غلمان المقتدر فخلعوه، وسلمه المقتدر إلى

<<  <   >  >>