للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقول العرب: (عليك بأمر مبكياتك لا مضحكاتك) [١] ، وقولها: (إن من صدقك فأرمضك، خير لك ممن غرّك فسرك) ، وإنما تلك الطائفة إخوان الخوان، وفراش الطمع، وإذا أنت ميّزت قول أحدهم علمت أنه قد زاغ عن الحق وبرح، وأنه لا حقّ الله أدى، ولا السلطان نصح، وإنما الصديق الصدوق من لا يكفّ عن واجب النصح لجزع، ولا يسفّ بزخرف القول لطمع، والله ولي التوفيق.

وإذا قد أشفينا على الإملال والإضجار، وبؤنا في الذنب في الإطالة والإكثار، فلنعد إلى التنصّل والاعتذار، وأقول: إنّ كاتب رسالة، ومنشىء خطاب إلى مثلك، ولا مثل لك في قوة الانتقاد، وجودة الارتياد، يحتاج أن ينتقد النسخ تحكيكا وتنقيحا، ويستشرف الأدراج تسويدا وتصحيحا، فربّما وصل إلى السلامة عليك دون أن يظفر بالإحماد منك، فأما إذا أبدت البديهة في إملائها ارتجالا، وأرسل الخاطر في إنشائها إرسالا، فقد تقدم إليك على آلة حدباء [٢] نابية، [١٠٤ ظ] الظهر، إلا أن يتيح الله منك سجية للعثرات مقبلة، وعينا عن الهفوات كليلة.

وبعد فاكثاري عليك، جمع الله بك شمل الحكم، وحرس علينا وعليك ضوافي النعم، بحسب ما يبلغني عنك من لهجك برقاعي إذا وصلت إليك، وغرامك بكتبي إذا عرضت عليك، فذلك يدعوني إلى مناجاتك، ويحدوني إلى مناغاتك، فيما يختلج بفكري، فان يقع مواقع الإحماد، فالمنّة لك، لأنه كسب يدك، وإن يرد لموارد الإنكار، فالسهو منك، ونفسك حيث علمك، عصمنا الله وإياك من محفظات الكلم، وصرف عنا وعنك موبقات النّقم، وحسبنا الله وحده.

تمت الرسالة. وعلى السادة الأخيار محمد وآله الأبرار السلام كثيرا.


[١] هذا مثل: (أمر مبكياتك لا أمر مضحكاتك) جاء في: مجمع الأمثال ١/٣٠، فصل المقال ص ٣١٩، المستقصى ١/٣٦٢، جمهرة الأمثال ١/٨٢.
[٢] الآلة الحدباء: نعش الميت، قال كعب بن زهير في قصيدة البردة:
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته ... يوما على آلة حدباء محمول

<<  <   >  >>