للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فجلست، فخرج إليّ خادم ومعه درج ذهب، ورقعة مختومة، فقرأت الرقعة فاذا فيها: [١١٢ و] [مجزوء الرمل]

قد تركناك وحيدا ... حلف إيحاش وقلّه

فاجعل الخاتم رهنا ... وانصرف في دعة الله

قال: ففتحت الدّرج فاذا فيه خاتم ياقوت أحمر، فانصرفت من وقتي فاجتزت بابن حبّاب الجوهري، فقدمت إليه الخاتم وقلت: قوّمه؟ فقال: أنا أعرفه، ابتعته للفتح بن خاقان بثمان مائة دينار، فانصرفت بألف دينار، لأن الدّرج كان وزنه مأتي دينار.

فبلغ إحسان الفتح بأبي عبد الله إلى أن غرّر معه بدمه، وذاك أنّ المتوكل كان يقرّبه ويأنس به، وكان الفتح يعشق شاهك خادم المتوكل، واشتهر الأمر فيه حتى بلغه، وله فيه: [١] [الطويل]

أشاهك ليلي مذ هجرت طويل ... وعيني من بعد الدموع تسيل [٢]

وبي منك والرحمن ما لا أطيقه ... وليس إلى شكوى إليك سبيل

أشاهك لو يجزى المحبّ بودّه ... جزيت ولكنّ الوفاء قليل

وكان أبو عبد الله يسعى له فيما يحبّه، فعرف المتوكل الخبر، فقال:

إنّما أردتك لتنادمني لا لتقود على غلماني، فأنكر ذلك وحلف يمينا حنث فيها، وطلّق نساءه، وأعتق مماليكه، ولزمه حجّ ثلاثين عاما، فكان يحجّ، ثم أمر بنفيه إلى تكريت [٣] ، وأنفذ زرافة إليه فقطع طرف أذنه [١١٢ ظ] ، وقال له: يقول لك أمير المؤمنين: ما أعاملك إلا كما يعمل الفتيان. وقيل:

إن المتوكل كان يرى مذهب أبي نواس، وأنه دخل علي غلام فائق الحسن


[١] الأبيات في وفيات الأعيان ١/٤١١، ط- إحسان عباس.
[٢] وفيات الأعيان: (وعيني دما بعد الدموع تسيل) .
[٣] تكريت: بلدة مشهورة بين بغداد والموصل، وهي إلى بغداد أقرب، بينها وبين بغداد ثلاثون فرسخا، ولها قلعة حصينة في طرفها الأعلى، راكبة على دجلة، وهي غربي دجلة. (ياقوت: تكريت)

<<  <   >  >>