للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحدهم، فيا لله وللشورى، متى اختلج الشك فيّ مع الأول منهم، ومتى كانت هذه النظائر تقرن بي، فأسففت إذا أسفّوا [١] ، وطرت إذا طاروا، صبرا على طول المدة، وانقضاء المحنة، فمال رجل لضغنه [٢] ، وأصغى آخر لصهره [٣] ، من هن وهن، ثم قام ثالث القوم نافجا حضنيه [٤] بين نثيلته [٥] ومعتلفه، وأسرع معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضم الإبل نبتة الربيع، إلى أن انتهت به بطنته [٦] وأجهز عليه عمله، فما راعني من الناس إلا وهم رسل إليّ كعرف الضّبع [٧] يسألونني أن أبايعهم، وانثالوا عليّ [٨] ، حتى لقد وطي الحسنان، وشقّ عطفاي، فلما نهضت بالأمر، نكثت فرقة، ومرقت فرقة، وفسق آخرون، كأن لم يسمعوا الله جلّ ثناؤه يقول في كتابه العزيز: تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ

[٩] ، بلى والله، لقد سمعوها، ولكن غرّتهم دنياهم، وراقهم زبرجها [١٠] ، والذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة [١١] ، لولا حضور النّصرة، ولزوم الحجّة، وما أخذ الله على أولياء الأمر من أن لا يقارّوا على كظّة ظالم ولا سغب مظلوم [١٢] ،


[١] أسفّ الطائر: دنا من الأرض، يريد أنه لم يخالفهم في شيء.
[٢] يريد سعد بن أبي وقاص.
[٣] أصغى: مال، يشير إلى عبد الرحمن بن عوف، وكان صهرا لعثمان بن عفان، لأن زوجته أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، كانت أختا لعثمان من أمه.
[٤] نافجا: رافعا، حضنيه: الحضن ما بين الابط والكشح، يقال للمتكبر: جاءنا نافجا حضنيه، ويقال مثله لمن امتلأ بطنه طعاما.
[٥] في الأصل: (نثيكته) تحريفا. النثيل: الروث، أي لا همّ له إلا الأكل.
[٦] البطنة: التخمة والإسراف في الشبع.
[٧] عرف الضبع: ما كثر على عنقها من الشعر، وهو ثخين، يضرب به المثل في الكثرة والازدحام.
[٨] انثالوا عليّ: تتابعوا مزدحمين.
[٩] القصص ٨٣.
[١٠] الزبرج: الزينة من وشي وجوهر.
[١١] برأ النسمة: خلق الروح.
[١٢] كظة ظالم وسغب مظلوم: تخمة الظالم، وجوع المظلوم، أراد استئثار الظالم بالحقوق وهضم حق المظلوم.

<<  <   >  >>