للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عطش مع فقدان القطر، ولا يصيبها ذبول مع تصاريف الدهر.

عمّره الوليد بن عبد الملك، وكان ذا همّة في أمر العمارات وبناء المساجد.

أنفق على عمارته خراج المملكة سبع سنين، وحمل عليه الدساتير بما أنفق عليه على ثمانية عشر بعيرا فلم ينظر إليها، وأمر بإبعادها وقال: هو شيء أخرجناه للّه فلا نتّبعه!

قالوا: من عجائب الجامع لو أن أحدا عاش مائة سنة، وكان يتأمّله كلّ يوم، لرأى في كلّ يوم ما لم يره من حسن الصنعة ومبالغة التنميق.

وحكي أنّه بلغ ثمن البقل الذي أكله الصنّاع ستّين ألف دينار، فضجّ الناس استعظاما لما أنفق فيه، وقالوا: أنفقت أموال المسلمين فيما لا فائدة لهم فيه! فقال: ان في بيت مالكم عطاء ثماني عشرة سنة، إن لم يدخل فيه حبّة قمح! فسكت الناس، فلمّا فرغ أمر بتسقيفها من الرصاص، وإلى الآن سقفها من الرصاص، ورأيت الصانع يرقمها بالرصاص المذاب. قالوا: ان طيرا يذرق على الرصاص يحرقه فيحتاج إلى الإصلاح لدفع ماء المطر.

قال موسى بن حماد: رأيت في جامع دمشق كتابة بالذهب في الزجاج محفورا سورة «ألهاكم التكاثر» ورأيت جوهرة حمراء نفيسة ملصقة في قاف المقابر، فسألت عن ذلك فقالوا: ماتت للوليد بنت كانت هذه الجوهرة لها، فأمرت أمّها أن تدفن هذه الجوهرة معها، فأمر الوليد بها فصيرت في قاف المقابر، وحلف لأمّها أنّه أودعها المقابر.

والمسجد مبني على أعمدة رخام طبقتين: التحتانية أعمدة كبار، والفوقانيّة أعمدة صغار، في خلال ذلك صور المدن والأشجار بالفسيفساء والذهب والألوان.

ومن العجب العمودان الحجريان اللذان على باب الجامع، وهما في غاية الإفراط طولا وعرضا، قيل: وهما من عمل عاد إذ ليس في وسع أبناء زماننا قطعهما ولا نقلهما ولا إقامتهما، وفي الجانب الغربي بالجامع عمودان على الطبقة العليا من الأعمدة الصغار، يقولون: انّهما من الحجر الدهنج، وفي جدار الصحن

<<  <   >  >>