أراد جوابا آخر فقلت: يا ربّ أمّا أنا فليس صحيفتي الشرك، وقد وعدت أن تغفر ما دونها! فقال: اذهبوا فقد غفرت لكم! وفارق الدنيا بعد ذلك بثلاثة أيّام.
وينسب إليها أبو نصر بن أبي عبد اللّه الخيّاط، كان فقيها أصوليّا أديبا مناظرا، أخذ العلم من أبيه وله مصنّفات كثيرة، وأخذ الفقه منه أهل شيراز، وهو الذي يقول في كتاب المزني:
هذا الذي كنت أطويه وأنشره … حتى بلغت به ما كنت آمله
فدم عليه وجانب من يجانبه … فالعلم أنفس شيء أنت حامله
وحكي أنّه أو أباه استدلّ يوما في مسألة، فأعجب الحاضرين كلامه فقالوا للقاضي أبي سعيد بشر بن الحسين الداودي قاضي القضاة بفارس والعراق وجميع أعمال عضد الدولة: هذا الكلام لا يجاب عنه حتى يلج الجمل في سمّ الخياط، فقال القاضي:
وحتّى يؤوب القارظان كلاهما … وينشر في القتلى كليب لوائل
وينسب إليها أبو عبد اللّه محمّد بن خفيف، شيخ وقته وأوحد زمانه، قال:
دخلت بغداد وفي رأسي نخوة الصوفية، ما أكلت أربعين يوما ولا دخلت على الجنيد! وكنت على عزم الحجّ، فلمّا وصلت إلى زبالة رأيت ظبية تشرب من بئر، وكنت عطشان، فمشيت إليها فولّت الظبية ورأيت الماء في أسفل البئر فقلت: يا ربّ ما لي محلّ هذه الظبية؟ فنوديت من خلفي: جرّبناك ما تصبر، ارجع خذ الماء! فلمّا رجعت رأيت البئر ملآنة، فأخذت منه وشربت وتوضّأت فسمعت هاتفا يقول: إن الظبية جاءت بلا دلو ولا حبل وأنت جئت بالدّلو والحبل! فلمّا رجعت إلى بغداد قال لي الجنيد: لو صبرت لنبع الماء من تحت رجليك.