للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مذهبه، كان يصاحب المهدي، فلما ولي الخلافة انقطع عنه، فقال له المهدي: إن لم تصاحبني فعظني! قال: إن في القرآن سورة، أولها: ويل للمطففين! والتطفيف لا يكون إلا شيئاً نزراً فكيف من يأخذ أموالاً كثيرة؟

وحكي أن المنصور رآه في الطواف فضرب يده على عاتقه فقال: ما منعك أن تأتينا؟ قال: قول الله تعالى: ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار! فالتفت المنصور إلى أصحابه وقال: القينا الحب إلى العلماء فلقطوا إلا ما كان من سفيان فإنه أعيانا! ثم قال له: سلني حاجتك يا أبا عبد الله! فقال: وتقضيها يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم. قال: حاجتي أن لا ترسل إلي حتى آتيك، وأن لا تعطيني شيئاً حتى أسألك.

وخرج ليلة أراد العبور على دجلة فوجد شطيها قد التصقا، فقال: وعزتك لا أعبر إلا في زورق! وكان في مرض موته يبكي كثيراً، فقال له: أراك كثير الذنوب! فرفع شيئاً من الأرض وقال: ذنوبي أهون علي من هذا وإنما أخاف سلب الإيمان قبل أن أموت. وقال حماد بن سلمة: لما حضر سفيان الوفاة كنت عنده، قلت: يا أبا عبد الله ابشر فقد نجوت مما كنت تخاف، وإنك تقدم على رب غفور! فقال: يا أبا سلمة، أترى يغفر الله لمثلي؟ قلت: إي والذي لا إله إلا هو! فكأنما سري عنه. توفي سنة إحدى وستين ومائة عن ست وستين سنة بالبصرة.

وينسب إليها أبو أمية شريح بن الحرث القاضي، يضرب به المثل في العدل وتدقيق الأمور، بقي في قضاء الكوفة خمساً وسبعين سنة، استقضاه عمر وعلي، واستعفى من الحجاج فأعفاه، ذكر أن امرأة خاصمت زوجها عنده وكانت تبكي بكاء شديداً فقال له الشعبي: أصلح الله القاضي! أما ترى شدة بكائها؟ فقال: أما علمت أن اخوة يوسف جاؤوا أباهم عشاء يبكون وهم ظلمة؟ الحكم إنما يكون بالبينة لا بالبكاء.

وشهد رجل عنده شهادة فقال: ممن الرجل؟ قال: من بني فلان. قال:

<<  <   >  >>