يظهر من تلك الجهة، فلا يطول الوقت حتى يأتي الخبر ان خارجيّا ظهر من تلك الجهة. وقد سقط رأس هذه القبّة سنة تسع وعشرين وثلاثمائة في يوم مطير ريّح، وكانت تلك القبّة علم بغداد وتاج البلد، ومأثرة بني العبّاس.
وكان بجانبها الشرقي محلّة تسمّى باب الطاق، كان بها سوق الطير فاعتقدوا ان من تعسّر عليه شيء من الأمور فاشترى طيرا من باب الطاق وأرسله، سهل عليه ذلك الأمر. وكان عبد اللّه بن طاهر طال مقامه ببغداد، ولم يحصل له اذن الخليفة، فاجتاز يوما بباب الطاق فرأى قمرية تنوح، فأمر بشرائها واطلاقها، فامتنع صاحبها أن يبيعها إلّا بخمسمائة درهم، فاشتراها وأطلقها وأنشأ يقول:
ناحت مطوّقة بباب الطّاق … فجرت سوابق دمعي المهراق
كانت تغرّد بالأراك وربّما … كانت تغرّد في فروع السّاق
فرمى الفراق بها العراق فأصبحت … بعد الأراك تنوح في الأشواق
ماذا أراد بقصده قمريّة … لم تدر ما بغداد في الآفاق
بي مثل ما بك يا حمامة فاسألي … من فكّ أسرك أن يحلّ وثاقي!
هذه صفة المدينة الغربيّة، والآن لم يبق منها أثر. وبغداد عبارة عن المدينة الشرقيّة. كان أصلها قصر جعفر بن يحيى البرمكي، والآن هي مدينة عظيمة كثيرة الأهل والخيرات والثمرات. تجبى إليها لطائف الدنيا وظرائف العالم إذ ما من متاع ثمين ولا عرض نفيس إلّا ويحمل إليها، فهي مجمع لطيبات الدنيا ومحاسنها، ومعدن لأرباب الغايات وآحاد الدهر في كلّ علم وصنعة.
وبها حريم الخلافة، وعليه سور ابتداؤه من دجلة وانتهاؤه إلى دجلة كشبه الهلال، وله أبواب: باب سوق التمر باب شاهق البناء عال، أغلق من أوّل أيّام