الناصر واستمرّ إغلاقه. ذكر أن المسترشد خرج منه فأصابه ما أصابه فتطيّروا به وأغلقوه. وباب النوبي وعنده العتبة التي يقبّلها الملوك والرسل إذا قدموا بغداد.
وباب العامة وعليه باب عظيم من الحديد نقله المعتصم من عمورية لم ير مصراعان أكبر منهما من الحديد.
ومن عجائبها دار الشجرة من أبنية المقتدر باللّه، دار فيحاء ذات بساتين مؤنقة، وإنّما سمّيت بذلك لشجرة كانت هناك من الذهب والفضّة في وسط بركة كبيرة أمام أبوابها، ولها من الذهب والفضّة ثمانية عشر غصنا، ولكلّ غصن فروع كثيرة مكلّلة بأنواع الجواهر على شكل الثمار. وعلى أغصانها أنواع الطير من الذهب والفضّة، إذا هبّ الهواء سمعت منها الهدير والصفير.
وفي جانب الدار عن يمين البركة تمثال خمسة عشر فارسا، ومثله عن يسار البركة، قد ألبسوا أنواع الحرير المدبّج مقلّدين بالسيوف، وفي أيديهم المطارد يحركون على خطّ واحد، فيظنّ أن كلّ واحد قاصد إلى صاحبه.
ومن مفاخرها المدرسة التي أنشأها المستنصر باللّه. لم يبن مثلها قبلها في حسن عمارتها ورفعة بنائها، وطيب موضعها على شاطئ دجلة وأحد جوانبها في الماء.
لم يعرف موضع أكثر منها أوقافا ولا أرفه منها سكّانا. وعلى باب المدرسة إيوان ركب في صدره صندوق الساعات على وضع عجيب، يعرف منه أوقات الصلوات وانقضاء الساعات الزمانية نهارا وليلا؛ قال أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي:
يا أيّها المنصور يا مالكا … برأيه صعب اللّيالي يهون!
شيّدت للّه ورضوانه … أشرف بنيان يروق العيون
إيوان حسن وصفه مدهش … يحار في منظره النّاظرون!
تهدي إلى الطّاعات ساعاته … النّاس، وبالنّجم هم يهتدون