فضحكوا وقالوا: هذا أيضا له وجه للمضاحك! فلمّا دخلوا على الخصيب وضعوا كرسيّا كلّ واحد من الشعراء يقف عليه ويورد شعره حتى أوردوا جميعهم. بقي أبو نواس فقال بعض الشعراء: ارفعوا الكرسي، ما بقي أحد! فقال أبو نواس: اصبروا حتى أورد بيتا واحدا ثمّ بعد ذلك إن أردتم فارفعوا، فأنشأ يقول:
أنت الخصيب وهذه مصر … فتشابها فكلاهما بحر!
فتحيّر الشعراء وأنشد قصيدة خيرا من قصائدهم كلّها.
وحكي أن محمّدا الأمين أمر بحبسه وأمر أن لا يترك عنده كاغد ودواة، فحبس في دار، فدخل عليه خادم من خدام الخليفة ونام عنده وعليه جبّة سوداء، فأخذ قطعة جصّ من الحائط وكتب على جبّة الخادم:
ما قدر عبدك بي نواس … وهو ليس بذي لباس
ولغيره أولى بها … إن كنت تعمل بالقياس
ولئن قتلت أبا نواسك … قيل من هو بو نواس؟
فقرأوا وفرّجوا عنه.
وذكر أنّه رئي في المنام بعد موته فقيل له: ما فعل اللّه بك؟ قال: قد غفر لي بأبيات قلتها وهي تحت وسادتي؛ فوجدوا تحت وسادته رقعة فيها مكتوب:
يا ربّ إن عظمت ذنوبي كثرة … فلقد علمت بأنّ عفوك أعظم
إن كان لا يرجوك إلّا المحسن … فمن الذي يرجوه عبد مجرم
أدعوك يا ربّي إليك تضرّعا … فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم
ما لي إليك وسيلة غير الرّجا … وكريم عفوك ثمّ إني مسلم