عديم النظير في صنعته، لم يوجد مثله لا قبله ولا بعده، فإن الكتابة العربيّة كانت بطريقة الكوفيّة ثمّ إن الوزير أبا الحسن بن مقلة نقلها إلى طريقته، وطريقته أيضا حسنة، ثمّ إن ابن البوّاب نقل طريقة ابن مقلة إلى طريقته التي عجز عنها جميع الكتّاب من حسنها وحلاوتها وقوّتها وصفاتها، ولا يعرف لطافة ما فيها إلّا كبار الكتّاب، فإنّه لو كتب حرفا واحدا مائة مرّة لا يخالف شيء منها شيئا لأنّها قلبت في قالب واحد، والناس كلّهم بعده على طريقته. توفي سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة.
وينسب إليها أبو نواس الحسن بن هانئ. كان أديبا فصيحا بليغا شاعرا أوحد زمانه. حكي أن الرشيد قرأ يوما: ونادى فرعون في قومه قال: يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون؟ فقال: اطلبوا لي شخصا أنذل ما يكون حتى أولّيه مصر. فطلبوا شخصا مخبّلا كما أراد الخليفة، فولّاه مصر وكان اسمه خصيبا. فلمّا ولّي أحسن السيرة وباشر الكرم وانتشر ذكره في البلاد حتى قيل:
إذا لم تزر أرض الخصيب ركابنا … فأين لنا أرض سواه نزور
فتى يشتري حسن الثّناء بماله … ويعلم أنّ الدّائرات تدور
فقصده شعراء العراق وأبو نواس معهم وهو صبي، فلمّا دنوا من مصر قالوا ذات يوم: نحن من أرض العراق وندخل مصر فلا يأخذن علينا المصريون خطأ أو عيبا! ليعرض كلّ واحد منّا شعره حتى نعتبره، فإن كان شيء منها محتاجا إلى إصلاح أصلحناه. فأظهر كلّ واحد ما معه على القوم، فقالوا لأبي نواس: هات ما عندك. فقال: عندي هذا: